السخرية تودي بمكين

TT

عديدة هي العوامل التي ضمنت لأوباما النصر على مكين. يأتي في مقدمتها جورج بوش. فلا تحتاج لغير بوش بجانب خصمك لتضمن هزيمته.

كانت هناك أيضا ظروف موضوعية؛ الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها الجمهوريون والفشل المزري الذي تعرضت له الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. وكلها عوامل جعلت أرباب الأموال يفتحون كيسهم بسخاء لخزانة الحزب الديمقراطي بما أعطاه رصيدا لم يسبق إليه للإنفاق على الحملة الدعائية لأوباما. والظاهر أن الشخصية المحبوبة والمتوازنة لهذا الرجل الملون ساهمت أيضا في مضاعفة شعبيته.

بيد أن الباحث البريطاني جو كوينان، الخبير في فن السخرية وصاحب كتاب «بلد كوينان» في الفكاهة والسخرية، نشر مقالة أعرب فيها عن رأيه، أن كل ذلك لم يكن كافيا لكسب النصر لأوباما.

أعاد هذا الكاتب لذاكرتنا أن جون مكين كان وظل متفوقا على أوباما وتوقع له الكثيرون فوزه بالرئاسة. تمتع برصيد وطني جيد؛ فقد شارك في حرب فيتنام وسقط أسيرا بيد الفياتكونغ ومكث أربعة أعوام في سجونهم الرهيبة قبل إطلاق سراحه بعد الهدنة وعودته إلى أمريكا ليمارس حياة سياسية حاشدة بالخبرات والتجارب. وهو ابن لامع من أبناء النخبة الرأسمالية الأمريكية. أين أوباما الشاب من كل ذلك؟

يقول جون كوينان إن الموقف انقلب على رأسه عندما عادت النجمة التلفزيونية وبطلة الفكاهة الأمريكية، تينة فاي إلى شاشة التلفزيون في البرنامج الشعبي «ليلة السبت الحية» وتقمصت فيها شخصية سارة بالن (التي اختارها مكين نائبة له) بشكل كاريكاتوري موفق وموثق بشكل جعل المشاهدين يغصون ضحكا ويلمسون كل عيوب هذه المرأة المكروهة والفاشلة. جلسوا وهم يتضاحكون يتساءلون مع أنفسهم، كيف جاز لهذا المرشح الجمهوري أن يختار مثل هذه المرأة نائبة له، عالما تمام العلم أنه إذا مات خلال رئاسته وهو في التاسعة والسبعين، فإنها ستصبح تلقائيا وحسب الدستور، رئيسة لأكبر دولة ضاربة في العالم وتغدو عندئذ القائد العام لكل القوات المسلحة الأمريكية حول العالم؟

سؤال لا بد أنه خطر لكل الناخبين الأمريكيين. وانتقلوا منه إلى سؤال آخر لا يقل جدارة واهتماما، وهو كيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يعطي صوته لمرشح يقع بمثل هذا الخطأ ويختار مثل هذه المرأة؟ ألا يدل هذا الخيار على خرف أو بداية خرف في هذا الرجل العجوز؟

لاحظ هذا الباحث البريطاني أنه منذ أن ظهرت هذه النجمة الفكاهية الساخرة، تينة فاي، وتقمصت ساخرة شخصية سارة بالن وبهدلتها أمام ملايين المشاهدين في ليلة اعتاد الجمهور على قضائها في متابعة البرامج التلفزيونية، بدأ نجم مكين في الأفول وتصاعد نجم باراك أوباما. سيقول القارئ، فتش عن المرأة. سارة بالن قضت على مستقبل مكين السياسي. ولكنني أقول فتش عن الفنان الساخر الذي يدمر أي شخصية بارزة بشخطة قلم، بكلمة يقولها، بحسرة يطلقها، ببيت واحد من الشعر. لا عجب أن يتربص الرقيب لكل من يتعاطى السخرية بيننا.

www.kishtainiat.blogspot.com