تنفيذ الإعدام

TT

هل خطر على بالك يوماً أن تصبح إنساناً محكوماً عليك بالإعدام، وأن تجرب خطوات التنفيذ فيك دقيقة بدقيقة، إلى أن يكتم على أنفاسك وتزهق روحك؟!

بالنسبة لي فقد خطر على بالي ذلك الخاطر بعد أن تتبعت على مدار أقل من (ساعة ونصف) الخطوات (المنطقية) التي خاضها (ريتشارد كوبر) المتهم بقتل امرأتين في حانة عندما كان في حالة سكر شديد، وقد حكموا عليه بالسجن المؤبد، غير أنه أصر إصراراً شديداً على تنفيذ حكم الإعدام به جزاءً له، وتحت إلحاحه المزعج اضطروا لتلبية مطلبه.

ويقول من وكل بمصاحبته إلى غرفة الإعدام: وصلت إلى بوابة السجن الساعة 8.25 صباحاً بينما كانت الرياح الممطرة تلف المكان.

الساعة 8.33 سرت حوالي 50 متراً من البوابة إلى الباب الفولاذي المتين لغرفة الغاز المثمنة الأضلاع.

الساعة 8.55 انتقلت من غرفة الاستعداد خلال ممر ضيق إلى المنطقة التي تقع فيها زنزانة المحكوم، وفي دهليز ضيق كان هناك اثنان من حراس غرفة الإعدام يستمعان من الراديو إلى برنامج فكاهي وهما يتضاحكان، ودخلت إلى الغرفة ورأيت ريتشارد منبطحاً يرقد على بطنه فوق خشبة مبسوطة على الأرض، وسألته: هل نمت جيداً؟!، فأجابني: ليس كثيراً، وصمت برهة ثم تبسم قائلا: لقد قررت أن أذهب إلى الكلية بعد ظهر اليوم، فقد تبرعت بكامل جسدي لكلية الطب، لكي يجري عليه الطلبة والطالبات دروس وتجارب التشريح، وأخشى ما أخشاه أن تحمر وجوه الطالبات من شدّة الخجل.

وأخذ يتحدث كيف أنه كان يأمل أن يواصل دراسته في مجال الفن، وفجأة وإذا بنا نسمع جلبة أصوات، وإذا بالقسيس يطل من الباب، رفض ريتشارد دخوله أو التحدث معه وقال: ليس من الضروري دائماً أن نتحدث عن الله بالكلمات، إن إيماني هنا، وأخذ يرددها عدة مرات ويضرب صدره بقوة بقبضة يده.

الساعة 9.35 بقي لريتشارد الآن 25 دقيقة تقريباً من الحياة، وإذا بنا نسمع من راديو الحراس انتهاء البرنامج الكوميدي، والمذيع يعلن من نشرة الأخبار ويقول: إن حادثاً سيعطل المرور فوق الكبري (الفلاني) حتى الساعة 10.30 صباحاً، وتبادلت النظرات مع ريتشارد وقد ساورتنا نفس الفكرة، ففي هذا الوقت يكون هو قد مات قبل نصف ساعة، وفي هذه اللحظة دخل مدير السجن، وسأله إن كان يريد أن يقول شيئاً، فهز رأسه علامة أن لا شيء يريد أن يقوله.

وسأله عن آخر مطلب له، فطلب كوباً به قهوة سوداء وسيجارة، وأن يشغلوا المسجل على موسيقى راقصة، وأن يرفعوا الصوت إلى أعلى درجة طوال مدة تنفيذ إعدامه، وكان له ما أراد.

وعندما دخل إلى الغرفة وقبل أن يجلس على كرسي الإعدام، مددت له يدي فأمسكها بقوة قائلا لي وهو يبتسم: شكراً.

وبعد أن تم التنفيذ قال من وكل بمصاحبته إلى غرفة الإعدام: يا إلهي استقبل هذا الإنسان ريتشارد، شقيقنا في الأسرة البشرية الذي تحبه كما تحبنا جميعاً يا إلهي.

[email protected]