تولستوي يبحث عن فضائية

TT

تأمل تولستوي في رائعته «الحرب والسلم»، وهي روايته عن غزو نابليون لروسيا، فوجد أن نابليون لم يصدر بيانا واحدا واضحا محددا حول الهجوم على روسيا. مجموعة بيانات وأوامر يومية أدت في النهاية إلى أحمق مغامرة في التاريخ، كررها فيما بعد ألماني أشد حماقة هو أدولف هتلر. يرتكب «القائد» هذه الغباوات القاتلة، في رأي تولستوي، لأنه لا علاقة له عملياً بالمعركة نفسها. (نابليون كان غالباً يتقدم عسكره). كلما كبرت مرتبة الضابط وقدرته على إعطاء الأوامر، قلت مشاركته في الحرب. في النهاية الجنود البسطاء هم الذين يقتلون ويقاتلون. الكبار يقرأون الخرائط ويصدرون الأوامر.

يتحول الفرد ضمن الجماعة إلى جزء من آلة، كما يقول تولستوي. ينفذ من دون تفكير. يسير ويقوم وينام من دون نقاش. لا نهاره له ولا غده ملكه. وهذا الكائن نفسه عندما يكون فردا خارج الجماعة، يتصرف ويعمل بطريقة معاكسة تماماً

يتأمل تولستوي سلوك الفرنسيين من جديد ثم يقول إنهم لسبب أو لآخر بدأوا يتذابحون فيما بينهم، اعتقادا منهم أنهم يفعلون ذلك في سبيل فرنسا والحرية والمساواة (شعارات الثورة). ثم توقفوا عن قتل بعضهم البعض على أساس أن ذلك ضروري لتوطيد السلطة المركزية. ومواجهة أوروبا. إن التاريخ يؤكد لنا أن تبرير هذه الأحداث متناقض ولا معنى له. كأن تقتل إنسانا لأنك تبحث عن حقوقه، أو تذبح الملايين في روسيا، لأنك تريد أن تذل بريطانيا.

إن هذه التبريرات تعتق أولئك الذين يصنعون هذه الأحداث من المسؤولية الأخلاقية. ولولا ذلك لما أمكن أن نعثر على جواب لفظاعة ما يحدث. يتأمل تولستوي ذلك كله ثم يسأل: في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في أوروبا، هل يمكن أن نتخيل أنه يمكن لأي من هذه الأحداث أن يقع، من دون تحريض وإعداد وإقرار القادة والوزراء والبرلمانات والصحف؟

هل يذكرنا كلام تولستوي بشيء؟ بأحد؟ بدول وحكومات؟ طبعا، في أيامه كانت الصحف شريكة في كل هذه الارتكابات. الآن أعطت مكانها للفضائيات: من المكاتب المبردة تشعل أفظع الحرائق الوطنية. تسبقها المبررات.