تدخلت الجامعة لإنقاذ الفلسطينيين

TT

محاسن الجامعة العربية نادرة مثل بيض الديك، وقبل ايام باض ديك الجامعة قرارا تاريخيا يغفر لها ما تقدم. ففي جلسة عاصفة أقرت باستمرار رئاسة محمود عباس، فحالت دون فراغ دستوري، ودون حمام دم بين الفلسطينيين. والحقيقة ان الرئيس عباس كان يستطيع أن يفعلها، مثل معظم رؤساء الجمهوريات العربية، بان يمدد لنفسه الرئاسة، إلا انه اختار الاحتكام للجامعة.

صحيح انها من قلائل الجامعة لكنها ليست سابقة، فقد فعلتها في عام 90 عندما صوتت بالاغلبية الى جانب حكومة الكويت في المنفى، ضد حكومة نصبها صدام حسين بديلة. لذا عندما واجه الفلسطينيون نزاعا بين حكومتين اختارت الجامعة ابومازن لانه بالفعل يمثل الشرعية، بعد ان باتت حماس حكومة انقلابية.

وقد تبدو قصة الحكم في فلسطين معقدة لكنها في اصلها بسيطة. ففي السبعينيات رسمت الجامعة العربية، على مستوى القمة، الشرعية الفلسطينية لاول مرة، حيث أعلنت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، منهية بذلك سلطة المصريين في غزة، والأردنيين في الضفة. أغضب القرار إسرائيل التي سعت لإلغاء الشرعية الفلسطينية بالقضاء على منظمة التحرير، طاردتها حتى آخر موقع وراء الحدود، في لبنان. نفت مقاتليها الى تونس واليمن والسودان، وقال شارون حينها مطمئنا إنه دفن المنظمة ومعها القضية. لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي أبعدته اسرائيل من نافذة لبنان عاد الى فلسطين من باب اريحا، عبر اتفاق اوسلو.

حماس، التي اعتبرت اتفاق اوسلو خيانة، قبلت بالانخراط في نتائج الاتفاق عندما عرضت عليها منظمة التحرير ان تدخل الانتخابات. فازت حماس برلمانيا، كما فاز محمود عباس بالرئاسة أيضا. إلا ان حماس لم تحترم العهد، ولم تحفظ الود لمنظمة التحرير، التي سلمتها الحكم. ففي رابعة النهار اقدمت على جريمة الانقلاب على الرئاسة في مجزرة مصورة في شوارع غزة. وبفضل حماس غنم الاسرائيليون ما عجزوا عنه في خمسين عاما، تقسيم الفلسطينيين.

ولأن ابومازن زعيم عاقل فقد منع السلطة الفلسطينية من التعارك مع حماس. هذا الرجل الذي تعرض لمحاولة اغتيال من قبل حماس لم يحقد او ينتقم، بل اصر، مخالفا نصائح قيادات في فتح، على دفع مرتبات موظفي الحكومة في غزة، بمن فيهم قادة حماس، وعلى رأسهم اسماعيل هنية، الرجل الذي يشتمه كل يوم على منابر المساجد وفي حسينياته السياسية.

الجامعة العربية قبلت التحكيم في نزاع الحكومتين، لأن فلسطين ليست الصومال، فلاتزال ملفا عربيا. قبلت لانها التي شرعت على مدى خمسين عاما الحركة السياسية الفلسطينية، ولا يعقل ان تنسحب لتعطي الاسرائيليين فرصة تفتيت ما تقسم. بعد اسابيع قليلة كانت ستنتهي فترة رئاسة عباس، مما اضطر الجامعة للتدخل حقنا للدماء، ومنعا للفراغ. عباس كان راضيا إما بالتمديد لسنة او الانتخاب المتزامن، لكن حماس رفضت الاثنين ناقضة بذلك قرار المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي سبق ووافق على انتخابات للرئاسة والبرلمان معا. حماس رفضت الانتخابات لانها تعلم ان اغلبية الفلسطينيين هذه المرة ستصوت ضدها بقوة، فقد صوتت معها سابقا رفضا لفتح السيئة آنذاك، التي اشتهرت بالفساد وسوء الادارة المحلية. اما اليوم فان الصورة معكوسة. فحماس يوم كانت في المعارضة وعدت الناس بتل أبيب، وبعد ان صارت في الحكم لم تحارب اسرائيل البتة، بل لاحقت فصائل، مثل الجهاد الاسلامي، لانها تطلق الصواريخ على المستعمرات المجاورة. الاسرائيليون لم يغزوا غزة ولا مرة واحد منذ تسلم حماس الحكم، لماذا؟ لانهم في ظل حكمها يعيشون في آمان افضل، فقد توقفت العمليات الانتحارية، والاشتباكات المسلحة، رغم ان اسرائيل تذيق الغزاويين أسوأ حصار عرفوه في تاريخهم. ما الذي فعلته حماس لفلسطين والفلسطينيين؟ لا شيء، باستثناء زيادة شقاء الفلسطينيين وشق الصف الفلسطيني.

[email protected]