قوة الصين الثالثة

TT

اهتمت الجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية بالشأن الصيني، وأصدرت العديد من الكتب والبحوث والمقالات التي تناقش الحالة الصينية. حيث يرى بعض الباحثين الأمريكيين أنَّ تنامي القوة العسكرية الصينية هي الخطر الحقيقي، الذي يهدد الولايات المتحدة في المستقبل. كما أوضح ذلك نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (Jad Babbin) ومحلل الشؤون الدفاعية (Edward Timperlake) في كتابهما الذي أصدراه بعنوان:(why china wants war with the united states). إذ يريا فيه أنّ الصين أخطر على الولايات المتحدة من الإسلام الراديكالي.

ويرى (فرانسيس فوكوياما) صاحب نظرية «نهاية التاريخ» أنّ الأفكار اللبرالية قد انتصرت بشكل مطلق بعد انتهاء الحرب الباردة. وكتب بتاريخ 19 أغسطس 2008 مقالا ًفي صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان: «لن يستطيعوا المضي أبعد من ذلك». قال فيه إن النظام العالمي في تراجع، وأن الصين قدمت نفسها كنظام جديد، تمتزج فيه الشمولية بالحداثة، ويمثل تحدياً للديموقراطية الليبرالية. خاصة أنه يحظى بشعبية وقبول لدى كثير من دول العالم. إلا أنه عاد في نفس المقال، ليؤكد بأن الرأسمالية لا تزال بلا منافس حقيقي. وأن المنافس لها في مجال الأفكار، هو الإسلام الراديكالي.

وفي الجانب الاقتصادي، فإن الخطر الصيني الذي يهدد الولايات المتحدة، يتمثل في قوة الاقتصاد الذي يتضاعف كل سبعة أعوام. ليصبح في عام(2050) أكبر من الاقتصاد الأمريكي بمقدار(43 في المائة) وفقا لتقرير مؤسسة (Price water House) للاستثمارات والأعمال.

وقبل حوالي أربع سنوات حذر وزير الخزانة الأمريكي السابق (Lawrence summere) ممـا سـمــاه «تـــوازن الإرهاب المالي» (Balance of Financial Terror) المتمثل في سياسة الاقتراض الأمريكية من الحكومات التي تعارض سياساتها المصالح الأمريكية ومنها الصين. حيث بلغت استثماراتها في أمريكا ـ على حـدِّ قـوله (300) بليون دولار إضافة إلى ما تعاني منه أمريكا مـن (2،1) ترليون عجز موازنة و حوالي (3) ترليونات عجز تجاري. ويصرح بأن هذا يعطي الصين قوة مالية ضخمة، تستطيع أن تستخدمها ضدَّ الولايات المتحدة متى ما دعت الحاجة إليها.

وعلى صعيد ثالث هناك أمر استعصى فهمه على الغرب، وهو ما يمكن أن أسميه هنا بالقوة الثالثة للصين، وهي قدرة النخب الصينية على الاختيار الدقيق للعناصر الثقافية الغربية، التي تتناسب مع ثقافتهم. وقد نجحوا نجاحا كبيرا في الدمج الذي يحقق الثراء التقني، الثقافي والتنمية الاقتصادية، مع الإبقاء على معالم الحضارة الصينية واضحة شكلاً ومضموناً. ونشرت مجلة (النيوزويك) بتاريخ 18 ـ 25 أغسطس 2008، تحقيقاً بعنوان: «صعود سلاحف البحر» (Rise of the sea Turtles) وسلاحف البحر هم الصينيون العائدون من الغرب، بعد أن أنهوا تحصيلهم العلمي. (وتحدث التحقيق عن تلك النخب التي يعول عليها الغرب في نقل القيم الغربية، بحيث يكونون جسراً لعبور الحضارة الغربية إلى الصين. وأداةً لبناء صين لبرالية منفتحة على الغرب، ويشير تحقيق المجلة إلى أن الأمل تضاءل حينما أظهر الصينيون المتعلمون في الخارج تعصباً لثقافتهم، وانتماءً لوطنهم، أكبر من الصينيين المحليين، الذين لم يغادروا وطنهم. وفي بحث لرئيس المركز الصيني للعلاقات بين الشعوب ومقره هونج كونج البروفيسور(David Zweig) رصد فيه استجابات آلاف الصينيين العائدين من الجامعات الغربية واليابانية، وانتهى إلى عدم تأثر هؤلاء بالقيم الغربية، مما يشير إلى نجاح سياسة ما بعد عام (1989) المتمثلة في اشراب الطلاب روح الوطنية من خلال التعليم العام. ثم تعززت مشاعرهم الوطنية، بعد أن تعرفوا من قرب على المبادئ الغربية.

وفي ظل الأزمة المالية العالمية، وأزمة الثقة التي يتعرض لها النموذج الديمقراطي الرأسمالي الغربي في وقتنا الحاضر، هل تستطيع القوة الصينية الثالثة (النخبة) أن تساهم في إدخال الإصلاحات السياسية اللازمة على نظامها السياسي. فتقدم نموذجا صينياً تمتزج فـيه تلك الإصلاحات السياسية مع ما حققته من لبرالية اقتصادية منضبطة، تتجاوز فيه المحلية إلى العالمية، تكسب بها العقول والقلوب، لتكون المنافس الحقيقي للنموذج الديموقراطي الرأسمالي الغربي؟ أم أن الصينيين كما عنون (فوكوياما) مقاله (لن يستطيعوا المضي أبعد من ذلك)!

[email protected]