هل بدأ الخلاف يدب في صفوف التيار المحافظ في إيران؟

TT

وزارة الداخلية الايرانية حددت يوم 12 يونيو (حزيران) من العام المقبل موعدا للانتخابات الرئاسية في ايران. وقد بدأت الحملة الانتخابية منذ أشهر في صفوف التيارين المحافظ والإصلاحي، حيث بدا كل تيار يعد العدة لخوض الانتخابات والعمل على إضعاف منافسه من اجل هزيمته في الانتخابات المصيرية لكلا التيارين.

التيار المحافظ الذي يسيطر على أبرز مراكز القرار في ايران، وبيده السلطات الثلاث، لا يتورع عن توجيه الاتهامات للطرف المقابل، أي التيار الاصلاحي، وعلى رأسه الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، والإيحاء بوجود انشقاق داخل صفوف الاصلاحيين وتنافس حاد بين أهم الشخصيات الاصلاحية من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولكن التيار المحافظ منقسم حاليا على نفسه بشأن مرشح هذا التيار للانتخابات الرئاسية. فبينما يرى انصار الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بأن احمدي نجاد هو المرشح الوحيد الذي يجب ان يجمع هذا التيار على ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة يرى آخرون ان من المبكر الاتفاق حاليا على المرشح الرئاسي الذي سيخوض الانتخابات بسبب عدم وجود إجماع بين مختلف الجماعات المحافظة التي تتشكل منها (جبهة السائرين على خط الامام والقيادة)، والتي تعتبر اكبر تجمع للاحزاب المحافظة، وذلك على ترشيح الرئيس محمود احمدي نجاد.

هناك شخصيات محافظة ترفض الخوض حاليا في البحث عن ترشيح الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للانتخابات الرئاسية، ومن هؤلاء رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني، حيث يتوقع العديد من المراقبين ان يترشح للانتخابات الرئاسية، وكذلك نائب رئيس البرلمان محمد رضا باهنر، اقوى شخصية محافظة بعد علي لاريجاني، وأيضا حبيب الله عسكر اولادي، احد قادة حزب المؤتلفة الاسلامي. وقد ادلى هؤلاء  بتصريحات ضد حكومة الرئيس احمدي نجاد أظهرت مدى عمق الخلاف بين أجنحة التيار المحافظ ومدى معارضة شخصيات بارزة في هذا التيار لترشيح الرئيس احمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية، باعتبار ان ما قام به خلال ثلاث سنوات اظهر عدم نجاحه في ادارة البلاد وخاصة عدم تمكنه من كبح جماح التضخم وارتفاع الاسعار وعدم قدرته على حل الازمة الاقتصادية المستعصية رغم ارتفاع اسعار النفط وزيادة عائدات ايران من النفط، وهذا يقلل من فرص انتخابه لدورة ثانية.

ولكن أنصار الرئيس احمدي نجاد ولا سيما قادة «جمعية المضحين» و«رائحة الخدمة الزكية» يحاولون التقليل من آثار تصريحات الشخصيات المحافظة المخالفة للحكومة ولا سيما تصريحات لاريجاني وباهنر وعسكر اولادي.

وقد بادر انصار الرئيس الايراني المعروفون باسم «مجلس تنسيق قوى الثورة» بإصدار بيان رشحوا فيه الرئيس احمدي نجاد بصورة رسمية للانتخابات الرئاسية معتبرين أن على احمدي نجاد ان يواصل العمل وكأنه سيتولى ولاية ثانية بعد فوزه في الانتخابات المقبلة. ولكن بيان هذه المجموعة ‌لاقى استياء من قبل مجموعات اخرى من التيار المحافظ الذي ينتقد الرئيس احمدي نجاد ولا يرى ضرورة بالقيام مبكرا بالبحث حول مرشح التيار المحافظ، إذ أن هذه المجموعات تعتقد ان التيار المحافظ الذي يسمى «جبهة السائرين على خط الامام والقيادة» يجب ان يتخذ قرارا بالإجماع حول مرشحه للرئاسة ولا يحق لجناح واحد المبادرة بترشيح شخصية للانتخابات بدون الحصول على موافقة باقي الاجنحة.

ويبدو ان التيار المحافظ يواجه حاليا انشقاقا كبيرا بسبب الخلاف في وجهات نظر قادة هذا التيار من حكومة الرئيس احمدي نجاد، خاصة ان هناك شخصيات محافظة تطمح الى الرئاسة ومن بينهم محسن رضائي القائد السابق لقوات حرس الثورة الذي يعتبر احد زعماء التيار المحافظ، واحمد توكلي العضو البارز في البرلمان، والذي له مواقف سلبية من حكومة الرئيس محمود احمدي نجاد.

وهكذا نرى التيار المحافظ، الذي يواجه خلافات حادة داخل صفوفه، لا يتورع عن مواجهة التيار الاصلاحي الذي يسعى من خلال استغلال الوضع الاقتصادي المتردي والأزمة المالية وارتفاع اسعار المواد الغذائية والسكن وزيادة التضخم انتقاد اعمال حكومة الرئيس احمدي نجاد ومهاجمة رموز هذا التيار.

ففي الوقت الذي يشهد التيار المحافظ خلافات حادة داخله هناك تهافت محموم من جانب الاصلاحيين للتمهيد للانتخابات الرئاسية والتركيز على شخصية الرئيس السابق محمد خاتمي، باعتباره الشخص الذي يمكنه ان ينقذ ايران من الازمات والمشاكل التي تتخبط فيها.

الرئيس خاتمي، والرئيس السابق للبرلمان الايراني مهدي كروبي، هما ابرز مرشحي التيار الاصلاحي، وقد رشح حزب «اعتماد ملي» الذي يرأسه كروبي زعيمه للانتخابات الرئاسية، ولكن الرئيس السابق خاتمي لم يعلن حتى الآن عن نيته في الترشح لأنه كما يقول يدرس الظروف الحالية وسوف يقرر مستقبلا ما اذا كان سيترشح ام لا.

التيار الاصلاحي مجمع على ان خاتمي هو المرشح المفضل له، ولكن بعض المجموعات الاصلاحية ترى من الممكن ان لا يترشح خاتمي للانتخابات، وتتساءل من سيكون الشخصية الاصلاحية الأخرى التي يمكن ان تقوم بدور المرشح الكفء لهذا التيار الذي يمكن ان يُجمع الإصلاحيون عليه؟ هناك عدة اسماء مطروحة ولكن لا يجمع الاصلاحيون عليها، منها مهدي كروبي الذي هزم في انتخابات عام 2005 امام الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد، وعبد الله نوري وزير الداخليه في عهد خاتمي، والذي سجن بسبب مواقفه المتشددة من المحافظين، وحسن روحاني المسؤول السابق عن الملف النووي، والذي ادلى بتصريحات اخيرا انتقد فيها الرئيس الايراني بسبب برامجه الاقتصادية ومعالجته الملف النووي الايراني بصورة غير حكيمة، حسب مدعاه.

ويحاول التيار المحافظ عن طريق وسائل إعلامه ان يوحي بعدم وجود خلاف داخل صفوفه، ويؤكد باستمرار وجود خلاف في صفوف التيار الاصلاحي، ويطرح شائعات او اتهامات ضد الشخصيات الاصلاحية من أجل ثنيها عن الترشح والمشاركة في الانتخابات الرئاسية.

ولعل الهجوم الذي يشنه المحافظون باستمرار، ولا سيما انصار الرئيس احمدي نجاد، ضد الرئيس السابق محمد خاتمي هو من ابرز الحملات الانتخابية التي بدأت منذ اشهر، ولا يزال هذا الهجوم متواصلا لأن انصار احمدي نجاد يدركون جيدا أن محمد خاتمي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين ابناء الشعب، وانه لا يزال يتخذ مواقف حكيمة من معارضيه وخصومه عكس الرئيس الايراني الذي لا يتورع عن مهاجمة خصومه ووصفهم بالمتآمرين الذين يتجاهلون كل ما قامت به حكومته طوال أكثر من ثلاث سنوات.

ولهذا السبب نرى أنصار الرئيس احمدي نجاد ينشرون اخبارا مفادها ان الرئيس السابق محمد خاتمي لا يريد الترشح للانتخابات بينما يؤكد انصار خاتمي بأنه سوف يترشح وسيخوض الانتخابات وسيفوز فيها.

فكلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية اشتد التنافس والتناحر بين التيارات المتعددة التي تريد خوض الانتخابات والفوز بها، ولعل التيار المحافظ يواجه اكثر من التيار الاصلاحي تشرذما وتشتتا في المواقف، ما يجعله اكثر تصدعا وانكسارا، ويضعف موقفه تجاه خصمه قبل اشهر من الانتخابات الرئاسية التي تعتبر انتخابات مصيرية للمحافظين والإصلاحيين على حد سواء.

* كاتب وصحافي إيراني