نتمنى «أمركة» الخلاف الفلسطيني

TT

في تصريح لافت بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية، خالد مشعل، الرجل الأول في حركة حماس، يؤكد وقوف حركته بثقلها السياسي والعسكري خلف الرئيس المنتخب محمود عباس. ويقول مشعل إننا، وإن كنا نحتفظ بملاحظات جوهرية على سياسات الأخ الرئيس أبو مازن، إلا أننا نؤكد ايضا أن التصريحات النارية التي صدرت من زعامات حماس ضد الرئيس وحركة فتح كانت مرهونة فقط بالمنافسة الشريفة بين حماس وفتح خلال الانتخابات الرئاسية. وآن الأوان أن يتحمل الشعب الفلسطيني بجميع فصائله وتوجهاته مسؤوليته التاريخية بالوقوف خلف القيادة الفلسطينية المنتخبة. وفي مؤتمر صحفي متزامن، الرئيس الفلسطيني المنتخب محمود عباس يؤكد أن حصول حماس على الأغلبية البرلمانية جاء محصلة طبيعية ومنطقية للامتداد الشعبي الكبير الذي كسبته حركة حماس من مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، ونؤكد للإخوة في حماس أننا راضون عن الخيار الديموقراطي، بل ستكون للبرلمان الفلسطيني بأغلبيته الإسلامية قولته في توجيه دفة السياسة الفلسطينية الداخلية والخارجية. هذا السيناريو المغرق في الأحلام النرجسية جاء من وحي نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فمن المفارقات المحزنة لنا، معشر العرب، أن حمى وطيس الانتخابات الأمريكية التي انتهت بأكثر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية إثارة في تاريخ أمريكا جاءت متزامنة مع حمى وطيس الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية؛ وبالتحديد بين قطبيها حركة حماس وحركة فتح. ووجه المقارنة بين الساحتين الأمريكية والفلسطينية ينحصر في الروح الإيجابية بين المتنافسين في أمريكا على الرغم من الخصومة السياسية العميقة بين الحزبين المتنافسين هناك، تقابلها الروح السلبية والنزعة المتخلفة التي تكسو الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني.

في أمريكا كلنا رأينا كيف تناسى المتنافسون (أوباما وهيلاري كلينتون) داخل الحزب الديموقراطي خلافاتهما وهجومهما البيني الشرس، ثم كيف اصطفا صفا واحدا ضد الحزب الجمهوري المنافس. وبعد أن وضعت حرب الحملات الانتخابية أوزارها لاحظنا كيف خفف الرئيس المنتصر عن الحزب الديموقراطي لهجته ضد الحزب الجمهوري والرئيس بوش، وكف أوباما عن كثيرٍ من التصريحات حتى يفتح الفرصة للإدارة الأمريكية الحالية متابعة عملها دون تشويش. وفي المقابل، أعلن الرئيس الأمريكي الحالي عن استعداده الكامل لتهيئة مرحلة انتقالية ناعمة وهادئة للسلطة الجديدة في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ليس هناك اختلاف بين المشهدين الفلسطيني والأمريكي سوى «الحس الحضاري» وروح المسؤولية، وإلا فالكل هنا وهناك لديهم اختلافاتهم وطموحاتهم المتباينة وسياساتهم المختلفة. وأما اختلاف الطرح الايديولوجي بين حماس وفتح واختلاف الاستراتيجيات وتباين وجهات النظر حول الاحتلال الإسرائيلي فليس مبررا لاستمرار الخلافات الفلسطينية عصية عن الحل. العاهل السعودي الملك عبد الله بذل جهدا كبيرا لتقريب وجهات النظر بين الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين مرورا بالجهد المتواصل للحكومة المصرية وانتهاء بجهود الرئيس اليمني للمصالحة؛ كل هذه الجهود تكسرت على صخرة العناد الفلسطيني وتغليب الأهواء الشخصية والحزبية.

التأمرك والأمركة مصطلحات تنفر منها الشعوب العربية، ومعها كثير من الحق، بسبب السياسات الأمريكية التي تتلذذ بخصومة كل ما هو عربي أو إسلامي، لكن هناك «تأمرك» إيجابي في الخلاف السياسي بالداخل الأمريكي تحتاج إلى استيراده الخلافات العربية، والفلسطينية ـ الفلسطينية على وجه الخصوص.

[email protected]