تحت تحت.. جوه جوه!

TT

نبي الله أشعياء كان رجلاً طيباً.. وكان يحلم بالسلام.. أو بالتعايش السلمي بين الأعداء والأصدقاء، بين الماء والنار، بين الزوجة والحماة.. وكان يقول: سوف يجئ اليوم الذي يعيش فيه الخروف مع الذئب، والنمر مع الجدي، والبقر والدب، والطفل الصغير يمد يده إلى الأفعى دون خوف ثم أنها لا تلدغه. ويقول أشعياء: لا إساءة ولا إفساد. لأن الأرض سوف تمتليء بمعرفة الرب كما تمتلئ البحار بالمياه!!

أي أن العلم هو الذي يجعل الناس يعرفون معنى الحياة ومعنى الموت. والعلم الذي يجعل الناس يعرفون خطورة ما تصنع أيديهم من أسلحة الدمار.. أي أن الإنسان إذا عرف الخطر، ابتعد عنه..

وإن الخراب والدمار من مظاهر الجهل والظلام!

وكان رجلاً طيباً نبي الله أشعياء. فنحن نرى كل هذه الأضداد تعيش معاً في السيرك: الذئب والحمل والطفل يضرب الأسد بالكرباج، ويضع رأسه في فم النمر، ولا يأكله النمر.. والأفعى تلتف حول عنقه ولا تلدغه.. فقد استطاع الإنسان أن يروض الوحوش بالتجويع والتخويف وبالمكافأة والثواب.. حتى تحقق لهما العيش معاً. ولكن من حين إلى حين نرى الأسد ينقض على الرجل والنمر على المرأة والأفعى تلتف حول الطفل وتعتصره حتى الموت.. فليس العيش معاً هو السلام.. وليس التجاور في المكان.. وليس كسر أنياب الأفعى، ولا إشباع الأسود أو تجويع النمور ولا تعليم الذئب أن يقرأ ما كتبناه على لحم الخروف أنه سام فلا يأكله!

وفي مجلس الأمن وفي الأمم المتحدة وفي السوق الأوروبية المشتركة تتجاور كل هذه الوحوش. وليس بينها سلام، وتتجاور في الأرض والدم واللغة والدين والأمل كل الدول العربية، وليس بين بعضها سلام من أي نوع.. وقد التفت الدول العربية حول إسرائيل كما يلتف حبل المشنقة حول العنق.. فأين السلام..

السلام يجب أن يكون تحت تحت.. جوه جوه..في الدم. يجب أن نريد السلام وأن نؤمن بصدق أنه هو الحياة..وأنه أرخص من الحرب، وأجمل من الكراهية، وأرحم من الحقد، وأنه يطيل عمر الإنسان والشعوب ـ فكم تجاورت أجساد والقلوب شتى!