«حرب القبائل» في لبنان وفلسطين عام 2009

TT

ليس بين الذين يكابدون أهوال الحصار الجائر في غزة أحد من هؤلاء، الذين يُكثرون من التنظير في موضوع الخصام الفلسطيني ـ الفلسطيني، ذلك ان كبار القوم من اخواننا في «حماس» الممسكين بمفاصل الغزاويين ونكاد نقول في رقابهم لا يشكون من انقطاع الكهرباء، ولا هم قلقون من وجود الأدوية على انواعها ولا من مداواة مرضاهم افراد العائلة، كما ان ارغفتهم ساخنة ومشارِبهم حاضرة والمياه نقية ونظيفة في بيوتهم ومكاتبهم ودوائر حكومتهم. وعندما تكون هذه حالهم فلماذا لا يوصلون المكابرة ولا يتقاسمون مع امراء «دولة رام الله» التصرف الواقعي وبحيث يتوصل زعماء «الدولتين» الى صيغة تُبقي الناس المغلوب على أمرهم في منأى عن العناد من جانب الطرفين، وهو عناد لم يحدث في تاريخ حركات المقاومة ان كان بمثل هذه الخشونة مع ما ينشأ عنها من ضرر بالغ يلحق بالناس.

وليس من حق طرفيْ الخصام الفلسطيني الشكوى من أن اخوانهم القادة العرب لا يتدخلون، ويبالغون في المفردات التي توحي بأن العرب ساهون عن احوال شعب فلسطين. ونقول ليس من حق الطرفيْن الشكوى، لأن اكثر من دولة عربية بذلت من المساعي الحميدة ما يحقق وفاقاً فلسطينياً، لكن المتخاصميْن لم يتصرفا بما من شأنه انجاز الوفاق. ألم تبذل المملكة العربية السعودية المسعى الحميد؟ وألم يتوجه الملك عبد الله بن عبد العزيز من الرياض الى مكة المكرمة، ليكون المتابع والراعي للاتفاق بين وفد «فتح» يترأسه محمود عباس، ووفد «حماس» يترأسه خالد مشعل واسماعيل هنية؟ وألم يرحب «الإخوة الاعداء» «قبيلة فتح» و«قبيلة حماس» بالاتفاق ويحلفان على المصحف الشريف بأن الاتفاق سيكون راسخاً كالجبال؟

ثم ألم تبذل مصر مسعى مماثلاً بعدما أخلَّ اخواننا الحماسيون، وبالتحديد خالد مشعل واسماعيل هنية، اللذان وقَّعا على اتفاق مكة، بذلك الاتفاق؟ وألم يأخذ الرئيس حسني مبارك شخصياً على عاتقه مسألة بذل المسعى وعندما كاد السعي يحقق لقاء الجانبين في القاهرة للخروج باتفاق، قاطعت اللقاء «حماس» في ربع الساعة الأخير للموعد المحدد؟

ثم ألم يقم الرئيس علي عبد الله صالح بمسعى للتوفيق وفعل الشيء نفسه امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني؟

وإلى هؤلاء ألم يبذل اصحاب نوايا طيبة من غير جماعات الحكم في دول عربية وكذلك بعض كرام القوم الفلسطيني المستقلين، مسعى للتوفيق مقروناً بالتمنيات الى حد الرجاء المرفَق بالأدعية؟ لقد فعل الكثيرون ما هو مطلوب منهم، لكن تأثير الجهات التي لا تريد وفاقاً فلسطينياً كان هو الغالب. وعلى هذا الأساس فليس من حق اخواننا في «حماس» الإكثار من مفردات الكلام التي توحي بأن الاشقاء العرب ساهون عن الشقيق الفلسطيني.

واذا كان لا بد من المناشدة فلتكن من جانب «حماس» بالذات بحيث تطلب من الذين او بالأحرى «اللذيْن» لا يريدان للوفاق ان يتم قبل ان تتضح نوايا الإدارة الأميركية الجديدة نحوهما، المساعدة على ان يتهادن الطرفان الفلسطينيان المتخاصمان: «دولة رام الله» غير الرسمية و«دولة غزة» غير الشرعية، وينشأ عن هذا التهادن وفاق كالذي حدث في لبنان بعد طول عناد مشابه للعناد الفلسطيني الراهن، وفي ظل هذا الوفاق امكن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وإبعاد مخاطر الانهياء الكامل للوطن.

وقد نجد من يقول: وهل إن هذا الوفاق في لبنان حل نهائي، وهل هنالك ما يضمن بأن الموقف لن ينفجر ربما عشية الانتخابات البرلمانية المقبلة، وربما بعد إجراء الانتخابات التي على الأرجح ستتم ضمن الاصول الديمقراطية إلاَّ ان نتائجها مدمِّرة في الحالتين، ذلك ان فوز الاكثرية الحالية المعروفة بتسمية (14 آذار) يعني ان يلجأ الطرف الآخر المعروف بتسميته (8 آذار) الى الرد باستعمال ورقة سلاحه الذي يتعثر «الحوار الوطني» بسببه، واذا جاء الفوز من نصيب هذا الطرف (أي 8 آذار) فإن السلاح سينهمر على الأكثرية المهزومة. وعندئذ ستكون كارثة شعب فلسطين من جرَّاء عناد «قبيلة فتح» و«قبيلة حماس» بسيطة امام كارثة شعب لبنان من الرد الذي سينشأ في حال انتصرت «قبيلة 14 آذار» على «قبيلة 8 آذار» أو العكس. ومَن يقرأ بين سطور تصريحات «شيوخ» هاتين «القبيلتين» ونعفي القلم من ذِكْر الاسماء حفظاً للسلامة ودرءاً للخصومة، يتأكد له ذلك. هذا الى جانب ان المحكمة الدولية ومدى الإصرار على ان تأخذ طريقها حتى الانعقاد وحتى الإدلاء بقرار الاتهام، وما يستتبع ذلك من اجراءات وكشْف للمستور ستشكل في هذه الحال الحد الفاصل بين ما هو حاصل وبين واقع جديد ستشهد بعض مراحله جولات من حروب غير مسبوقة، وذلك لأن المنطقة ستكون اذا جاز التصور، ساحة للقرصنة البرية جبلاً وسهلاً وساحلاً.

ونعود الى ما بدأناه لنتمنى بالنسبة الى الكارثة التي يعاني منها اخواننا في «دولة رام الله» نتيجة الحصار الجائر لنقول لشيخيْ «حماس» خالد مشعل واسماعيل هنية: ان فك الحصار عن الرأي العام الغزَّاوي يبدأ بفك الحصار المفروض منكما على الحوار مع الشقيق الفتحاوي. وعندما يحدث ذلك وتستعيد القلوب الفلسطينية التآلف، فإنه اذا عاودت اسرائيل الحصار، ستجد أن العرب من المحيط الى الخليج حكاماً ومحكومين يستأنفون الوقفة كما في الماضي مع القضية الفلسطينية التي تتواصل اندثاراً على ايدي ابنائها وينحسر وهجها امام عبارات غير نضالية يتبادلها قياديون من «فتح» مع شيوخ من «حماس» من نوع العبارات التي تتبادلها النساء الردَّاحات. وبعد ذلك يتساءل هؤلاء: لماذا لا يقف العرب مع الشعب الفلسطيني أو، إن الموقف العربي عار على الواقفين. معاذ الله من هكذا منطق.