عندما يلبس الرجل (التنورة)

TT

هناك جدل دائر، بل مشاحنات وتحديات بين النمسا واسكوتلندا على من هو أحق بما يسمى في النمسا (الكيلت)، وفي اسكوتلندا (بالتنورة الاسكوتلندية)، وكلا اللباسين يلبسهما الرجال مثلما تلبس الفتاة المراهقة التنورة القصيرة (فوق الركبة).

ولا شيء يثيرني ـ أي يزيدني غضباً وقرفاً ـ أكثر من منظر هؤلاء الرجال بسيقانهم الغليظة المشعرة وهم يرتدونها.

وقد أدى مقتل الزعيم النمساوي الدكتور (يورغ هايدر) في حادث قبل شهرين إلى انتشار هذه الموضة بين الشباب، حيث أن ذلك الزعيم كان محبوباً، وهو دائماً يفضل ارتداء هذه (التنورة) تأكيداً لحسه الوطني.

والحق يقال إن ارتداء مثل هذه الملابس لم يكن مقتصراً على رجال النمسا واسكوتلندا فقط، فقد سبقهم إلى ذلك كثيرون، فمعظم الرجال في مصر الفرعونية فعلوا ذلك، وكان الرجال (السومريون) يرتدون التنورات وتماثيلهم تشهد بذلك، والرجال قديماً في جزيرة (كريت) يرتدونها إلى منتصف الفخذ ويربطونها بحزام في الوسط، وكذلك في (كولومبيا)، أما في (غانا) فالأزياء للجنسين (هي هي نفسها) وقد ضربوا بذلك المثل الصادق بالمساواة بين الجنسين ـ في هذه الناحية على الأقل ـ، وكذلك الملابس الفولكلورية في المجر، فالرجل والمرأة يلبسان نفس الملابس تماماً، اللهم إلاّ أن الرجل يضع على رأسه قبعة والمرأة تضع ما يشبه التاج، ولكن لو أن القبعة وضعت على رأس المرأة، والتاج على رأس الرجل الحليق الوجه، لأصابتك وأنت تنظر إليهما (غمهّ). ولماذا نذهب بعيداً، فها هم أهلنا في عدن وحضرموت لا تحلو لهم (الشياكة)، ولا شرب (الجراك)، ولا النوم، إلاّ وهم يرتدون (التنورة) الملونة والمحزقة ـ ويسمونها (الفوطة)، وكذلك في إندونيسيا.

بل إنني لا أنسى عندما سألتني سيدة أجنبية محترمة قائلة: لماذا أنتم الرجال ترتدون في بلادكم (الفساتين) البيضاء الطويلة الفضفاضة؟!، لا أكذب عليكم أنني فوجئت بسؤالها وأردت أن (أنتخي وأعتزي) وأطلق صيحة الرجولة، ولكنني عندما تأملت قليلا وجدت أنها معذورة، فلم تتفتح عينها على هكذا لباس.

كما أنني لا أنسى كذلك قبل سنوات بعيدة أن أتى للطائف أحد الرعاة البدو ودخل لسوق (الحراج) والبيع بالجملة، وشاهد مجموعة كبيرة من (البالطوات) الصوفية، وهي من مخلفات (الموتى) في أوروبا، وتباع في جميع أنحاء العالم، فأعجبه رخص أسعارها، واختار منها ما لا يقل عن ثلاثين بالطو من الألوان الزاهية الفاقعة وهي (نسائية) وهو لا يدري، وذهب للقصيم وباعها وربح فيها، وفي تلك السنة في الشتاء قدر لي أن اذهب إلى هناك، وتفاجأت بالرجال البدو الوقورين الملتحين (وطوال الشوارب)، وكل واحد منهم (يتمخطر) ببالطو نسائي بعضه له أزرار نحاسية، وبعضه له فرو صناعي عند الرقبة، وبعضه (مخصور) ومزموم.. تركتهم على جهلهم بذلك (وعلى نياتكم ترزقون) ـ أو تلبسون ـ، ولكنني في كل ليلة عندما آوي إلى فراشي يذهب بي الخيال بعيداً وأتساءل يا ترى ما هي أشكال ومواصفات هؤلاء النساء اللواتي كن يرتدين تلك (البالطوات)؟!، ولو أن البالطوات نفسها كانت تحس وتتكلم فماذا سوف تقول لنا عما آلت إليه، وكيف أنها انتقلت من مكان إلى مكان، ومن (ظهر إلى ظهر)؟!

وأختم هذا المقال بالإحراج الذي وقع فيه الرئيس الفرنسي الأسبق (ديستان) عندما أقام في باريس حفلا للدول الناطقة بالفرنسية، ودخل القاعة زعيمان صديقان لدولتين أفريقيتين يمسكان بأيدي بعضهما البعض، أحدهما طويل عريض مفتول الشارب ويرتدي بدلة (سموكنغ)، والآخر قصير (مرَبرب) حليق الوجه ملمع بالكريم ويرتدي الثوب الوطني المتعدد الألوان.

فما كان من رجل المراسم إلاّ أن يعلن بالميكرفون للجميع، قدوم رئيس دولة (....) مع زوجته، وكانت فضيحة ندى لها جبين الرئيس الفرنسي، وخرج الرئيس الذي نعتوه (بالزوجة) محتجاً.

معاها حق ـ أقصد معاه حق ـ.

[email protected]