في مدرسة الحج

TT

أراد صديقي التاجر قبل بضعة أعوام أن يجمع بين الحج والتجارة، والأخذ بالمثل «حج وبيع مسابح»، فاستأجر شاحنة ملأها بما لذ وطاب من المواد الغذائية التي يحتاجها الحجاج في عرفة ومنى، وهو يمني النفس بشيء من الربح المعقول. وحينما عاد إلى جدة بعد انتهاء الحج سألته عن أحوال تجارته، فقال:

ـ لقد آثرت التجارة مع الله.

وكان واقفا فأجلسته لأفهم الحكاية، وأنا أسأله:

ـ كيف؟

قال: حينما أخذت مكاني في المشاعر لتسويق بضاعتي، كان عدد ممن حولي يقدمون نفس السلع من المأكولات والمشروبات إلى المحتاجين من الحجاج مجاناً، فاشتاقت نفسي لأن تنضم إلى كتائب المحسنين، وقررت في تلك اللحظة أن أجعل تجارتي مع الله، وتصدقت بكل بضاعتي، وأكملت حجي، وفيض من السعادة يغمرني بإحساس لم أشعر بمثله من قبل..

صديقي هذا ليس سوى نموذج واحد فقط من نماذج كثيرة من المواطنين الذين يجدون في الحج الفرصة المواتية للتطوع في أعمال البر والإحسان والتقرب إلى الله بإكرام حجاج بيته، والاحتفاء بهم، ومد يد العون لمن يحتاج العون، فازدياد الوعي الديني لدى جل الناس كثف معاني الكثير من القيم؛ وفي مقدمتها التشرفُ بخدمة ضيوف الرحمن، حتى غدا هذا واقعاً يعيشه الحاج، ويلمسه في الكثير من التعاملات أثناء إقامته في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة.

لقد غدت الصور الإنسانية أكثر ما يمكن أن يلمسه المتابع للحج، فثمة متطوعون في مختلف المجالات التي تتصل بخدمة الحجاج كإرشاد الضائعين من الحجاج، وعيادة مرضاهم، وغوث ضعفائهم. وقد رصدت عدسات الصحافيين في الأعوام الماضية الكثيرَ من تلك الصور، ولا تزال في الذهن صورُ بعض الجنود والمواطنين، وهم يحملون عجزة وأطفالا لتمكين ذويهم من أداء بعض الشعائر أو لمساعدتهم على الخروج من قبضة الزحام. وقد نالت المرأة السعودية قسطاً من شرف خدمة ضيوف الرحمن، إذ سجلت حضورها في منظومة من الأعمال التطوعية. وسيشهد حج هذا العام إضافة إلى ركب المتطوعات السابقات مشاركة 50 متطوعة متخصصة في المجالات الطبية ضمن فريق الهلال الأحمر السعودي العامل في الحج..

صور إنسانية أنبتها الحج بمعانيه العظيمة، فجادت النفوس، وارتقت الطباع، وسمت الأرواح.. تلك مدرسة الحج، فهنيئاً لطلابها.

[email protected]