ليس شيخ العقل

TT

رافق الزميل حكمة أبو زيد عددا كبيرا من رؤساء الوزارات في لبنان بصفته مستشارا صحافياً في السراي. وكانت دماثته وأخلاقه وخبرته هي التي أبقته في الموقع، برغم تغير الخصوم والعهود. ولا يعادله في هذا الصمود الوظيفي أحد، سوى مدير التشريفات في القصر الجمهوري، الذي ورث المنصب عن والده.

بالإضافة إلى موقعه في رئاسة الوزراء كانت لحكمة أبو زيد صداقات عديدة بين السياسيين، بسبب عمله الصحفي، ولأن والده وأسرته كانوا يملكون صحيفة «الدنيا» اليومية، التي خسرت أموالها وأحلامها مع خسائر اليسار اللبناني الرومانسي، أي قبل الحرب الأهلية، أما في الحرب فقد أغلقها صاحبها وذهب إلى بلدته لا يريد أن يكون طرفاً في نزاع أو خناقة أو «حفلة عياط»، أي صراخ.

أصدر حكمة أبو زيد كتابين عن تجربته، الأول عن السراي بعنوان «رؤساء حكومات لبنان كما عرفتهم»، والثاني عن عمله الصحفي وعلاقاته مع السياسيين بعنوان «قضايا وخبايا(1)».

والكتاب ممتع حقا. ويروي سيرة أب بدأ حياته موزع بريد في مناطق لبنان وجدة (لأبيه) تفلح الأرض وتزرعها وتساعد عائلة ابنها على مواجهة صعاب الحياة براتب... موزع بريد. كان الأب، الذي قرض الشعر يافعا، يحلم بأن تكون له صحيفة وديوان من الشعر. وبعد سنوات من الكد والعمل الصحفي في «الهدف»، جريدة النقيب زهير عسيران، كانت له صحيفته وكان له دواوينه العذبة.

كانت هناك صداقة بين الأب، سليمان أبو زيد، وبين الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، امتدت إلى الابن. وقد عرف عن كمال بك تقشفه ونزوعه إلى حياة اليوغيين الهنود. وكان يسافر إلى الهند في رحلة طويلة مرة كل عام على الأقل، حتى اعتاد رسامو الكاريكاتور أن يصوروه دائماً وعلى كتفه عنزة هندية. وكان حكمة يزوره في بيته باستمرار ويتناول إلى مائدته الغداء «الصحي». وذات مرة لاحظ أن الوجبة مؤلفة من كوسا محشي بالأرز واللحم المفروم فتعجب فسأل كمال بك: هل يأكلون اللحم في الهند؟

فأجاب بلهجته الجبلية «يا عمي شو بيعرفني، ولا مرة عزموني عالغدا».

وبعد الغداء وقعت المفاجأة الأكبر، إذ قدم المضيف لضيفه شراب «جنسنغ» الكوري، فسأله حكمة: «بتشرب من هيدا كمان؟»، فقال «وليش لأ». فعاد حكمة يقول «ولشو بتعوزو؟» فقال: «ومين قلك أنا شيخ عقل».

ومشيخة العقل عند الدروز هي بمثابة دار الفتوى.