عملية مومباي تعيد المتطرفين الهندوس إلى الحكم

TT

رغم بشاعة العمل الارهابي في مومباي، الا انه كشف عن افلاس الأصوليين وما يدعون اليه. حسب ما صدر عن التحقيق مع الارهابي الذي بقي حياً، انهم ارادوا قتل خمسة آلاف، وعلى الأخص اجانب واسرائيليين.

الحكومة الهندية اشارت بأصابع الاتهام الى باكستان، بسبب ماضي تلك الدولة واجهزة استخباراتها الضليعة بمثل هذه العمليات. وطلب رئيس وزراء الهند ماموهان سنغ من الحكومة الباكستانية ان تكون صريحة في تعاملها مع المعلومات والتحقيق. وتحاول نيودلهي بصعوبة ان تحافظ على موقف يُفرق ما بين حكومة اسلام آباد والمجموعات الارهابية التي تتخذ من باكستان قاعدة لها، خصوصاً ان الرأي العام الهندي غاضب ولا يقبل بمثل هذه التفرقة. الحكومة الهندية ليست في موقع قوي، مضطرة ان ترد، ولا تتمتع بخيار اعتبار هذه العملية الارهابية المدروسة والمخططة جيداً، بأنها مجرد حادث في مدينة كبيرة. امامها خياران: اما ان تتحمل المسؤولية بسبب ضعف اجهزتها الأمنية وتقصيرها، او ان تضع المسؤولية على باكستان. الخياران صحيحان. لكن الاول قد يطيح الحكومة، والثاني قد يورطها في حرب.

عام 2001، عندما هاجمت مجموعة عسكر طيبة (جيش محمد) سابقاً، مبنى البرلمان الهندي، احتاجت الحكومة الهندية الى اسبوع لتقرر، في النهاية حشدت قواتها على الحدود مع باكستان وتطور الوضع وكاد يهدد بحرب نووية، اذا اتبعت الآن الاسلوب نفسه، فيمكن ان يتأخر قرار ارسال القوات الى الحدود بسبب الخلافات السياسية الداخلية. ستحاول باكستان تجنب الازمة بالاعلان عن استعدادها الكامل للتعاون مع الهند في مواجهة هذه المشكلة.

الانضباط الذي تظهره حكومة «حزب المؤتمر» الحاكم في الهند قد يؤدي الى نهاية الحزب السياسية. فالرأي العام الهندي يعتبر ان هذا موقف ضعف، ولا يقتنع بأن الحكومة في انتظار دلائل ملموسة قبل ان تُنمي التوتر بينها وبين باكستان. لكن، مع اقتراب موسم الانتخابات في الهند، وبينما اختارت احزاب اليسار ان تضع خلافاتها مع الحكومة جانباً، وتدعو الى الوحدة الوطنية، الا ان اليمينيين المتطرفين شعروا بأن فرصتهم بالعودة الى السلطة على جناح الموجة الوطنية التي تعصف بالشارع، صارت قريبة جداً.

الحزب الهندوسي المعارض «بي.جي.بي» وهو حزب بهارانيا جاناتا، بدأ ينشر اعلانات في الصفحات الاولى من كبريات الصحف الهندية، يتهم فيها تحالف «حزب المؤتمر» بأنه فشل في الدفاع عن الوطن. وفي احد الاعلانات، تظهر عبارة: «الارهاب المجرم يضرب من جديد، حكومة ضعيفة، لا تريد وغير قادرة. قاتلوا الارهاب، انتخبو بي.جي.بي»، تظهر هذه العبارة على بقعة من الدماء.

امام باكستان لتبرهن على انها تتعامل بصدق مع الهند في هذه العملية، ان تقوم بعمليات ضد المتطرفين الاسلاميين على طول حدودها. لكن، ليس معروفاً ما اذا كانت الحكومة الباكستانية قادرة على ذلك حتى، لو رغبت. هناك عناصر في الأجهزة الأمنية الباكستانية قد تنسف أي خطة تتعلق بهذا الأمر، ثم ان الرأي العام الباكستاني يعارض مثل هذه العمليات. واذا حاولت الحكومة فمن غير الواضح ان باكستان نفسها لا تتففك وتغرق في الفوضى. كذلك، اذا لم تتحرك ستصبح تحت رحمة المتطرفين الاسلاميين. واذا غرقت في الفوضى، فإن نفوذ هؤلاء سيتضاعف. اذن في الحالتين، فإن ارتدادات العملية الارهابية في مومباي، قد تزيد من نفوذ المتطرفين الاسلاميين في اسلام آباد.

في كل الحالات، ان الهند لن تحصل على اجوبة. اذ ليست متأكدة من أن الذين خططوا للعملية الارهابية، غير قادرين على القيام بعملية اخرى، خصوصاً، ان الضعف ضرب كل الاجهزة الرسمية الهندية.

وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، توجهت امس الاربعاء الى الهند، بعد عملية مومباي الارهابية، وتحت ضغوط مباشرة من الولايات المتحدة، وافقت اسلام آباد على فكرة ارسال رئيس جهاز استخباراتها الجنرال احمد شوجا باشا الى الهند، ليبحث المسألة مع المسؤولين هناك. لكن القرار الذي جاء بعد مكالمة اجرتها رايس مع الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري تم التراجع عنه. لأن قائد الجيش الجنرال برويز قاني ـ الرئيس السابق للاستخبارات الباكستانية ـ رفضه لأنه يضعف معنويات الجيش الباكستاني، ويظهره مضعضعاً امام الضغوط الهندية. في هذه الاثناء، ارسل رئيس الوزراء الهندي وزير الدولة للشؤون الخارجية شنكر مينون الى واشنطن للاجتماع بمستشاري الرئيس المنتخب باراك اوباما، لكن واشنطن تدخلت وضغطت على الهند لتخفيف لهجتها «العسكرية» تجاه باكستان.

السبب، ان المؤسسة العسكرية الباكستانية ادخلت «العامل الافغاني» في المعادلة. فاذا لم تتراجع الضغوط الاميركية والهندية، فإن مشاركة باكستان في الحرب على الارهاب في افغانستان، ستتغير.

«العامل الافغاني» ورقة في يد المؤسسة العسكرية الباكستانية. فإذا تدهور الوضع بين الهند وباكستان في الايام أو الاسابيع المقبلة، على الولايات المتحدة ان تتوقع بأن تسحب باكستان فرقاً عسكرية (حوالي 100 الف جندي) من حدودها مع افغانستان الى حدودها الغربية مع الهند. وهذا سيؤثر جذرياً على ديناميكية الحرب في افغانستان.

وكان تقرير اميركي عسكري اشار اخيراً الى اهمية بقاء الجيش الباكستاني فعالاً على الحدود مع افغانستان، واشار التقرير الى «تغيير في التفكير الباكستاني بأن ما يجري على الحدود، مشكلة تهدد بقاء باكستان، ويجب ان تعالج بأسرع وقت. ان هذا التفكير لم يكن وارداً قبل سنوات». وتعرف واشنطن ان كل طرق امداداتها اللوجستية تمر عبر باكستان، كذلك دخلت الصين على الخط، والموساد الاسرائيلي. يوم السبت الماضي اتصل وزير خارجية الصين مع نظيره الباكستاني، وادان الوزيران العملية الارهابية. ثم عبر الوزير الصيني عن رغبته في أن تستمر باكستان والهند في تقوية التعاون بينهما والمحافظة على عملية السلام. كما عبر الوزيران عن بذل الجهود لتقوية العلاقات الثنائية الصينية ـ الباكستانية، اي ان الصين عبرت عن تضامنها مع باكستان، وشجعت الهند على ضبط النفس.

اذن، مع زيارة رايس الى الهند، فإن واشنطن ستحاول تبريد النفوس والاجواء، لتتجنب حرباً بين دولتين نوويتين. وقد تنجح ليس انطلاقاً من مبادئ الدولتين وثقتهما ببعضهما، بل بسبب وضع كل منهما، اضافة الى ان الولايات المتحدة في مرحلة انتقالية. وهذا يكشف حسابات من خطط للعملية وتوقيتها. ان الحكومة الباكستانية ضعيفة، وقيادتها تفتقد المصداقية، والجيش والأجهزة الأمنية في صراع مع الحكومة حول من يتحكم في الأمن القومي والعلاقات الخارجية. الاقتصاد الباكستاني على شفير الانهيار والافلاس، واخيراً حصلت اسلام آباد على قرض من صندوق النقد الدولي بشروط سياسية قاسية، منها تخفيض ميزانيتها العسكرية، وتقليص الدعم تدريجياً على المواد الغذائية. والشرطان صعبان في حال توتر الوضع مع الهند، وعلى باكستان البدء بتطبيقهما، لأنها في حاجة الى قرضين آخرين للبدء في تحريك اقتصادها. أما الهند، فإن اقتصادها ضُرب بسبب الازمة المالية التي عصفت بالعالم، ثم ان العملية الارهابية كانت في قلب عاصمتها الاقتصادية، وكشفت عن عجز اجهزتها الأمنية، والعالم كله يتطلع الى رد فعل منها.

عندما تعّرض البرلمان الهندي للهجوم عام 2001، وحشدت الهند قواتها عام 2002 على الحدود مع باكستان، كان حزب «بي.جي.بي» في الحكومة، وهو من المتشددين، وممن يُقدم على عمليات مواجهة ضد اسلاميي باكستان.

الآن، قد تنجح التدخلات في تجنب حرب مباشرة ما بين الهند وباكستان. لكن، قد تدفع حكومة «حزب المؤتمر» الحاكم الثمن. وهناك احتمال بأن يميل الغضب الشعبي في الهند نحو التشدد في الانتخابات الاقليمية الجارية حالية، وفي الانتخابات البرلمانية بعدها.

الايام القليلة المقبلة ستكون حاسمة، لأن حزب «بي.جي.بي» يريد استغلال تردد الحكومة الحالية، وقد يدعو الى انتخابات مبكرة. هذا الحزب والمتعاطفون معه من المتطرفين الهندوس قد يشجعون على نشر العصيان داخل المدن الهندية للضغط اكثر على حكومة حزب المؤتمر.

لا بد أن «المؤتمر» سيتجاوز تداعيات العملية الارهابية في مومباي، واذا نجح الارهابيون في اعادة الحزب الهندوسي المتطرف الى الحكم (بي.جي.بي)، ومع الخطاب السياسي المتشدد للحزب، يعني ان ازمة العلاقات الهندية ـ الباكستانية ستبقى تتفاعل اكثر واكثر.