وزير بلا حراسة

TT

استطاع محمود محيي الدين وزير الاستثمار المصرى أن يثبت للجميع أنه وزير من طراز خاص؛ مميز فى عمله؛ جريء فى أفكاره ومشاريعه. وبعيداً عن تواضعه ورفضه القاطع وجود حراسة ترافقه فى أى مكان يذهب إليه إلا أنه تعرض فى الآونة الأخيرة لهجوم واسع من قطاع عريض من الناس والسبب هو ما تم الإعلان عنه من اتجاه الدولة نحو تمليك كل المصريين ممن بلغوا سن الواحدة والعشرين سنة أسهما فى شركات القطاع العام المملوك للدولة؟!

وأعتقد أن انفجار الأزمة جاء نتيجة سببين رئيسيين، أولهما: سياسى وهو انعدام الثقة بين الشعب والحكومة، وفى هذا الشأن من الطريف أن نعلم أن هذه الأزمة كانت دوماً موجودة منذ نشأة نظام الدولة فى العصور القديمة.

ففى العصر الفرعونى ومنذ أكثر من 4000 عام قامت ثورة عارمة فى مصر القديمة انتقد فيها الملك شخصياً وحُمل أسباب الأوضاع الاقتصادية المتردية، ومنذ حوالى 3200 عام قامت ثورات فى دير المدينة بالبر الغربى بالأقصر واشتكى الثوار من عدم وصول شكواهم إلى الوزير المسؤول وطالبوا بحضوره شخصياً للاستماع إليهم وإصلاح أوضاعهم الاقتصادية التى جعلتهم على حافة المجاعة. وعلى مر العصور قلما حدث توافق بين الناس وحكوماتهم وهو أمر طبيعى وصحى، بل ومطلوب أحياناً حتى يكون الناس عيونا على الحكومة وأول المحاسبين لها. أما السبب الثانى فهو اقتصادى بسبب الأزمة المالية الحالية وانهيار البورصات العالمية... فأن تخرج علينا الصحف تحمل خبر تمليك أسهم القطاع العام لكل مصرى بالغ هو أمر فى منتهى الأهمية كان يجب على الحكومة والحزب الحاكم دراسته من كافة الأوجه وطرحه للمناقشة من خلال كل المتخصصين فى كل المجالات حتى يكون الأمر واضحا للجميع وأن يتفهم الناس السبب من وراء هذا القرار وأنه ليس مجرد تهدئة لمخاوف الناس من جراء أزمة اقتصادية لم تظهر نتائجها إلى الآن، وإنما هو مشروع للمستقبل وأن يكون كل مصرى مسؤولا فى عمله عن نجاح أو فشل اقتصاد بلده والذى هو يملك جزءا منه.

نريد حلقات نقاش موسعة وضوابط تضمن أن يتمسك كل فرد بما يملكه من أسهم ولا يتنازل عنها لأى سمسار وإلا لذهبت هذه الأسهم بأبخس الأثمان إلى أيدى سماسرة أشبههم بالمرابى اليهودى فى رائعة شكسبير «تاجر البندقية».

إننا فى أمس الحاجة إلى مشاريع تهدف إلى بناء مستقبل أفضل لأبناء وطننا وليتنا نعى التجربة الكويتية والتى جاءت لتقتطع جزءاً من حصيلة بيع البترول واستثماره فى مشروعات لصالح الأجيال القادمة. أعتقد أنه على السيد جمال مبارك وصديقى الدكتور محمود محيى الدين دعوة كل المثقفين والشخصيات العامة المعروفة للناس وأهل الثقة لديهم لكى يقوموا بمناقشة هذا المشروع أولاً وشرحه للناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة والندوات. إن هناك طرقا عديدة لإعادة الثقة بين الشعب والحكومة أولها إصلاح أوضاعهم الاقتصادية ثم زرع الأمل داخلهم فى مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم...

www.guardians.net/hawass