للتدوين أخلاقيات أيضاً

TT

الأنباء الواردة عن توقيف أو اعتقال أو استهداف مدونين أو «بلوغرز» عرب على شبكة الانترنت في كثير من الأنظمة العربية تكاد لا تنتهي بل يكاد يفوق عدد المستهدفين من هذه الشريحة زملاءهم في الصحافة التقليدية حتى باتت أخبار التعرض لهم من عادات ما تنقله الأنباء.

لا شك أن أعظم نقاط قوة أي مدوّن هو في كونه (أو كونها) صوتا حرّا غير خاضع لأي رقابة كما هو حال الإعلام والصحافة في بلادنا. تلك الميزة هي أيضاً أخطر نقاط ضعف المدونين. صحيح أن الأخلاقيات والمعايير المهنية في مجال الصحافة والإعلام العربيين لا تزال ضعيفة ومتفاوتة، وكثيراً ما تكون في حدّها الأدنى، لكن النقاش عن أخلاقيات أساسية يحتاجها المدونون لا يزال في بداياته. هذا الأمر ربما يبدو طبيعياً، إذ غالباً ما يتمسك المتمردون بحريتهم وجنوحهم إزاء كل من يريد أن يقول لهم ما الذي ينبغي أن يفعل ويقال. «البلوغرز» هم بمثابة الخارجين في عالم الشبكة الالكترونية. والخارجون عادة لديهم أمزجتهم وقدرتهم على متابعة ونشر شؤون وأمور شخصية وعامة وفق معاييرهم الخاصة والفردية، وهذا بالتحديد ما جذب متابعين لم تتمكن وسائل الإعلام من إشباع فضولهم وحاجاتهم للمعرفة ولكشف حقائق كثيرة يكتنفها الغموض في مجتمعاتهم.

لم يعد جديداً الحديثُ عن إنجازات مجموعة مهمة من المدونين العرب في كشفهم انتهاكات وجرائم وكسر محظورات والتعبير عنها، مما جعلهم مصادر أخبار بديلة بالغة القيمة والأهمية حتى باتت مؤسسات الإعلام والصحافة التقليدية تتقصى ظاهرة التدوين والمدونين وتعتمدها في أحيان كثيرة كمصدر للمعلومات بل وتحورها أحياناً كما حدث مع وكالة رويترز حين كشف مدون قبل عامين تعديلاً على صورة التقطت على حرب تموز عام 2006. ولعل الحيوية التي أضفاها المدونون العرب على مجتمعاتهم وعلى وسائل الاتصال بشكل عام هو ما دفع ببعض الطفيليين التابعين إما لأجهزة استخباراتية وأمنية أو لأحزاب أو تيارات للتسلل وبث إشاعات ومقالات وأكاذيب تحت ستار أن تلك المواد تصدر في مدونات، وبالتالي ليس هناك مصدر واضح لها، وهي تحمل آراء وأخبارا لا تلزم أطرافاً بعينها، وإن كانت تصب في مصلحتها.

من البديهي أن الإشاعات، وخصوصاً المتعلقة بتداخلات العام بالخاص هي مادة مثيرة ومسلية، وبالتالي من السهولة أن تلقى رواجاً لدى متصفحي الشبكة الالكترونية. هذا بالضبط ما يدفع ببعض منتحلي صفة المدونين لاعتماد الإثارة الرخيصة مادة وحيدة وأساسية لما ينشرون.

إلى الآن لا قوانين فعلية تطال مروجي الأكاذيب ليس فقط عبر الإنترنت، بل في كثير من وسائل التواصل المعروفة في بلادنا. في الغرب تنشط محاولات جدية لمواكبة فورة وسائل الاتصال، خصوصاً الالكترونية بقوانين حديثة تضمن حرية التعبير من دون خرق قوانين وحقوق أساسية.

عربياً لا يزال الفضاء الالكتروني مادة خاما فيها الغث والسمين. والاتكال وحده في غياب القوانين على الحسّ السليم، إذا توافر.

diana@ asharqalawsat.com