كأنني لا قرأتها ولا حفظتها!

TT

حفظت القرآن الكريم صغيراً ككل أبناء الريف في زماني. لا بد أن نحفظ القرآن قبل أن ندخل المدرسة، أي نحفظه ونحن لا نعرف القراءة والكتابة. واستغرق ذلك ثلاث سنوات. نقرأ هكذا. سيدنا ـ أي أستاذنا ـ يجلس على مصطبة ويقول: يا ولد يا أنيس استعذ بالله واقرأ سورة «الرحمن».. فأقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: «الرحمن.. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان.. الشمس والقمر بحسبان.. والنجم والشجر يسجدان. والسماء رفعها ووضع الميزان. ألا تطغوا في الميزان».. ويقول: صدق الله العظيم.. تعرف يا ولد أن النجم والشمس يسجدان. فلا أرد لأنني لا أعرف ولا أحد من الأطفال زملائي. ولا يعود سيدنا إلى هذا السؤال أو أي شيء آخر..

ولا أدَّعي عندما كبرت أنني استوعبت كل معاني القرآن ولا أنني تعمقته. ولكن أحياناً أعود إذا أحسست أنني نسيت آية أو أكثر. ومن العجيب أنني أجد آيات جميلة كأنني أقرأها لأول مرة. وخطرَ لي أن أختار مثل هذه الآيات البليغة، وأصدرها في كتاب. واخترت. وترددت في إصدار الكتاب لأن كلمة «اخترت» لا تليق بكلام الله.. كيف أختار وأقول يعجبني أو لا يعجبني. ولكن احتفظت بالكتاب دون عنوان ودون مقدمة. وإنما فقط الآيات التي أرى فيها الروعة والبلاغة والسرعة. والإعجاز في أن تقول مثلها. وبس!

ولكن في يوم وقفت على حيلي، وجدت آية كأنها اكتشاف وكأنني لم أحفظها. وإن كنت حفظتها واحتجت إلى عشرات السنين من التجارب لكي أعرف هذا الاكتشاف العلمي البليغ.

ففي سورة التغابن (الآية 19) يقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم. فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم»، هذا اكتشاف علمي فعلا. فليس بديهياً أن الزوجة تحب وأن الأولاد يحبون ولا يقتلون، بل الزوجة وتحت وطأة الضغوط تبدو مستعدة لذلك. وأروع صورة لذلك العنكبوت المسمى «الأرملة السوداء».. إنها تأكل الذكرَ أثناء الجماع.. ثم تبيض فوقه حتى إذا ظهر صغارها أكلوا أباهم. وتفعل ذلك طوال حياتها. فالزوجات يفعلن والأبناء أيضاً.. ويقول «وإن تعفوا»... الخ. هذا حدث ولكننا لا نغفر ولا نعفو، لأننا بشر يا الله!