مكرمة من البنك

TT

في هذه الأيام التي يضج بها العالم بشأن البنوك ويتساءل عما فعلته بالاقتصاد العالمي أجد نفسي أتساءل عما فعله العالم بالبنوك. أراها ضحية ومرآة لنظام وفلسفة لحياة لا بد أن ترتطم بالصخور. وفيما كنت أتساءل عما فعله العالم بالبنوك وقعت فيما فعلته البنوك بي. تسلمنا من البنك الذي أتعامل معه، وأتحاشى ذكر اسمه خوفا من مقاضاتي بدعوى الثلب والعيب، رسالة إلى زوجتي أم نائل تتحدث بإسهاب عن مصير أسهمها في البنك المذكور، أو في الواقع غير المذكور، كما لا بد أن لاحظ القارئ الكريم. لم أكن أعلم بأن لأم نائل أي أسهم في أي بنك. فرحت أطوف في فكري وتصوراتي. من أين حصلت على هذه الأسهم وكيف دفعت ثمنها؟ هدية من عاشق أحكمت كتمان أسراره والتستر على علاقته بها؟

انتظرت حلول الصباح لأسرع إلى البنك غير المذكور وأتحرى الموضوع. كيف حصلت أم نائل على هذه الأسهم ومن دفع ثمنها. بادرني الموظف المسؤول بالسؤال من أنت وما علاقتك بهذه المرأة وهل تعيش معها. أجبت إنني زوجها. قال هذا لا يعني شيئا في هذا الزمان. وأيدته في مقولته. قال البنوك لا تبيح أسرار عملائها. عليها أن تأتي بنفسها. عدت للبيت وأخبرتها بالأمر. عليك أن تأخذي معك جواز السفر لتثبتي هويتك وفاتورة الماء والكهرباء لتثبتي عنوانك وشهادة ميلادك لتثبتي بلوغك.

كانت رسالة طويلة من البنك مليئة بالأصفار، أصفار على اليمين وأصفار على الشمال، أصفار في المقدمة وأصفار في الخاتمة. أصفار وخطوط، وخطوط وأصفار في كل مكان حتى خيل لي أن مدير البنك كان فنانا تجريديا وشاء أن يتحفني بعمل من أعماله التشكيلية التجريدية.

تبين لنا أن البنك غير المذكور قد قرر مكافأتنا على حسابنا العريق والنظيف معه فأهدى 750 سهما من أسهمه الجديدة لأم نائل. لا أريد أن أقول إن هذا كان هو السبب في انهيار النظام المصرفي. مرت السنة المالية وسجل المدير أن ما كسبته هذه الأسهم من ريع وعوائد كان صفرا. وحسب شروط الهدية وتقنينها، تقرر تصفية هذه الأسهم بناء على الأمر الضمني من المالكة. وكانت حصيلة التصفية صفرا. وحسب القوانين المرعية في بريطانيا، اقتضى على البنك غير المذكور إعلام مفتش ضريبة الدخل بالصفقة ودفع حصة الضريبة البالغة صفرا عن قيمة الصفقة المعقودة بمبلغ صفر.

وألحقت بهذا الكتاب قسيمة طويلة مع ملاحظة وتحذير بالحبر الأحمر بأن على زوجتي أن تبادر بإخبار مفتش الضريبة بعملية الصفقة وتسديد حصة صاحبة الجلالة الملكة منها والبالغة صفرا قبل نهاية شهر صفر واحد القادم من عام اثنين صفر صفر تسعة وإلا فستتعرض لدفع غرامة بمقدار صفر عن المبلغ المتأخر البالغ صفرا. وهكذا بلغنا نهاية هذا العام وقد ازددنا صفرا على صفر. وكله بفضل البنوك.

www.kishtainiat.blogspot.com