هل يقوى العراق على البقاء أم يتفكك؟

TT

برغم تعقيدات الساحة وتعدد الأعراق والطوائف في أفغانستان، لم يظهر من يتحدث عن ضرورات التقسيم، ولم يرتفع صوت مطالبا بفدراليات ولا مركزية، ولم يطالب الشيعة والمسيحيون.. بخصوصيات خاصة، ولم يتمرد الطاجيك، ثاني أكبر قومية أفغانية، ولم يعط الاوزبك الأفغان ولاءهم لأوزبكستان المجاورة،. ولم يقاتل أحد منهم دولته طبقاً لأجندة خارجية. لذلك يمكن القول أن أفغانستان باقية.

أما العراق فحاله على غير ذلك، فما أن سقط النظام المركزي القوي، حتى بدأت الخلافات تسري كالنار في الهشيم، أصبحت دونها الخلافات والتناقضات بين اطراف المعارضة لذلك النظام، التي لم تكتف بنقل الأمراض معها، بل أججت الخلافات. الى درجة جعلتها تتجذر ليس بين ما يسمى المكونات، بل داخل المكونات نفسها. وأذكر مرة حصل اجتماع، مزر بخلافاته، لشخصيات معارضة بارزة، في السفارة الأميركية في لندن بحضور وكيل وزارة الخارجية الاميركية مارتن انديك، لمحاولة التمهيد لموقف معين، وأراد رؤية مشتركة للتنسيق بين تلك الأطراف. ولو كنت بدل أنديك لأنهيت الاجتماع وطردت الحاضرين. لكنه هون للصحفيين، الخلافات بين المجتمعين، لأهداف كان يراد لها أن تكون. وشاهدت وتابعت عن قرب تناقضات السياسيين في بغداد، وكلها جعلتني أقول لك الله يا عراق. حيث تتحكم في الوضع أربعة محاور من المتضادات. أولها الطموحات الكردية، تحت مفهوم قبول الشراكة (اختياراً)، والحقيقة ان الحال لم تكن كذلك، لأن الانفصال سيجلب كوارث جدية لهم، نتيجة ردة فعل دول الجوار الثلاث والتصادم مع عرب العراق.

وثاني المحاور: الشعور الشيعي بأن ما حصل كان منتظراً منذ (14) قرناً ولا بد من مسك الحكم بقوة.

وثالث المحاور: رفض سني لتغير المعادلات، ورفض الأمر الذي فرضته ظروف الانفلات.

ورابع المحاور: الدور الايراني المدمر في العراق، الذي عاث بأمن العراق وحرض المكونات بعضها على بعض.

أما التركمان والمسيحيون واليزيديون والشبك والصابئة، (وكأن العراق ليس من أقل الدول تعدداً للأجناس)، فهم بحق مظلومون، بتجاهل ما يستحقون.

ومع مرور نحو ست سنوات، لا يزال من انتمى الى حزب البعث، وعددهم هو وعوائلهم نحو خمسة ملايين، نكرة، في نظر كثير من الحاكمين، والأكراد الذين تعاونوا مع الحكومات العراقية جحوش، وأعتذر لذكر الكلمة المشاعة البشعة هذه، وفق التسمية الرسمية (لبعض) المسؤولين الكرد، علما أن عدد المتطوعين الى جانب بغداد كان 300000 مقاتل، أي ما يعادل نحو نصف مليون في حسابات اليوم، عدا أفراد عوائلهم. ما يهدد بتعميق الخلافات الكردية الكردية. وتتعرض العلاقات العربية الكردية في العراق الى خطر جدي، خصوصا مع عدم ظهور بوادر تفاهم في مناطق التماس في محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، فالتشنج في أقصاه.

ولا تزال الدول العربية تحتضن نحو مليوني عراقي شردوا أو تشردوا من ديارهم. وكم كان خبرا قاتماً، أن يصرح مسؤول عراقي بأن من المؤمل ان يعود نحو عشرين الف مشرد من سوريا خلال عام. (عشرون الف فقط!). ووسط هذه الاجواء تظهر مطالبات بأقاليم، مرة إقليم الوسط والجنوب، أي اقليم شيعي، ومرة إقليم البصرة، ربما نتيجة الجزع والرفض لإقليم شيعي، فالخيرات بصراوية. وبالطبع فإن كثيرا من الساسة الكرد يؤيدون بحماس أقلمة العراق.

لا تصدقوا (كل) من يقول من المسؤولين الرسميين من الكرد والعرب السنة والتركمان والمسيحيين، وبعض المسؤولين من الشيعة: لتنسحب أميركا. فمن يريد الانسحاب له حسابات مريبة، او بلغ حدا من القوة. فالغالبية تريد ترتيب أوضاعها في ظل الوجود الأميركي.

الاستراتيجية الأميركية الحالية لا يمكن أن تستمر، والحقيقة انها لم تحل مشكلة عدا أنها ساعدت في تحسين الأمن وهي مهمة كبيرة، لكنها تبقى هشة ومرتبطة بالمشاكل الأكبر منها.

اجتمع البرلمان وقرر.. وحصلت اجتماعات بين الكتل سادها جو ودي.. كلها جرعات مورفين. ما هو الحل. كنت في السابق أردد مقولة الزمن حلال المشاكل، ولم تعد مجدية. واليوم يمكن الاستئناس بتقليب صفحات التاريخ، فقد دمر العراق على يد المغول والتتار واحتل الصفويون بغداد خمسة عشر عاما، وحكم العثمانيون قروناً، مع ذلك بقي العراق. المطلوب أن يدرك المسؤولون العراقيون تعقيدات، ولا أقول استحالة، أن ينعم طرف على حساب آخر، وأن يتعاونوا لإعادة بناء العراق. فهل هم فاعلون؟

[email protected]