إيران وإسرائيل .. ومزاعم بيريز

TT

قال لي بعض المفكرين العرب في الماضي «إنك قلق بشأن إيران ونحن قلقون بشأن إيران أكثر منك. وربما تكون لك وجهة النظر الخاصة بك، ولكن إيران تمثل لنا الخطر الأكبر. وليس ذلك بسبب قنابلها وصواريخها بعيدة المدى فقط ولكن بسبب طموحاتها كذلك. فتلك هي الدولة الوحيدة في عالم اليوم التي لها طموحات إمبريالية، وهي في الحقيقة ترغب في السيطرة على الشرق الأوسط».

وقد قال بيريز في حديثه إلى الاتحاد العام للجمعيات اليهودية المتحدة في القدس «إنهم يرغبون في السيطرة على الشرق الأوسط باسم الدين. إن الفرس في إيران 35 مليونا والباقي من الـ 70 مليون أقليات. والفرس هم الذين اخترعوا آية الله والمتعصبين، إنهم يريدون حكم 350 مليونا (عدد سكان الشرق الأوسط) 90% منهم سنة» (صحيفة هآرتس 18/11/2008).

ويبدو أن بيريز يرغب في خلق جو سلبي جديد لبث الفرقة بين الدول والحكومات في الشرق الأوسط، فقد بدأ أولا بتفريق السنة عن الشيعة والعرب عن الإيرانيين، وثانيا فصل الإيرانيين إلى قسمين، فرس وأقليات أخرى. وذلك هو لب السياسة اليهودية في المنطقة «فرق تسد».

لقد زار هذا الرجل إيران من قبل مرات عدة قبل الثورة عندما كان شمعون بيريز وزيرا للدفاع (1974 ـ 1977) ووقع مع الشاه اتفاقا سريا.

ولم يكن بيريز فقط هو الذي زار إيران ثلاث مرات على الأقل، لكن سياسيين إسرائيليين بارزين زاروا إيران أيضا. فوفق ما صرح به يوري ليبرمان الذي كان السفير الإسرائيلي لدى إيران في تلك الفترة ما بين عامي (1974 ـ 1977) زار إسحق رابين إيران كرئيس للوزراء (1974 ـ 1977) وإيجال آلون كوزير الخارجية (1974 ـ 1977) وموشي ديان كوزير للخارجية (1977 ـ 1979) وشمعون بيريز كوزير الدفاع (1974ـ 1977) كما زار مناحم بيغن وغولدا مائير إيران أيضا بدعوة من الشاه.

ولأن توقيع الاتفاقية بين الشاه وبيريز هي النقطة الأبرز فأود أن أتوقف عند زيارة بيريز لإيران، والاتفاقية آنفة الذكر كفيلة وحدها بكشف حقيقة إسرائيل وبالأخص شمعون بيريز.

كانت الاتفاقية عن رأس نووي. كان المشروع الإسرائيلي الإيراني عبارة عن تطوير صاروخ بعيد المدى قادر على حمل رؤوس نووية، وفي صيف عام 1977 وقع وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك اتفاقية سرية في طهران لتطوير أكثر من صاروخ. وكانت إيران ستمول ذلك المشروع بتسليم نفط بقيمة مليار دولار لإسرائيل.

وقد أظهر ذلك أن شمعون بيريز مداهن. ففيما مضي، كانت إسرائيل تدعم الشاه كحليف قوي لإيران، أما الآن فقد قرر تقوية صداقته بالدول العربية والانقلاب ضد إيران. ولذا فإن من الواضح جدا أن إيران تبحث عن مصالحها الشخصية فقط. فالديمقراطية والسلام ما هي إلا مجرد أقنعة لإخفاء الوجه الحقيقي.

وهدف بيريز الأساسي هو بث الفرقة في الصف الإسلامي، فبعد احتلال فلسطين وإقامة دولة إسرائيل في عام 1948 استخدموا شعار الحرب بين العرب وإسرائيل ونتيجة لذلك أصرت إسرائيل في ذلك الوقت على أن تركيا وإيران ليستا من الدول العربية.

والآن يفرقون بين العرب الحديثين والعرب التقليديين. وأذكر كاتبا مصريا كبيرا زعم أن المصريين ليسوا عربا وأن الحرب بين العرب وإسرائيل.

لقد بات من الواضح أن حلم الأميركيين والإسرائيليين قد اختفى. فقد كانوا يحلمون بتغيير الشرق الأوسط بصورة تكون إسرائيل فيها هي المركز.

وكان حلم بيريز أن تكون إسرائيل مركز الاقتصاد والصناعة والزراعة والسياسة وقوة في منطقتنا، ولكن ذلك لم يتحقق إلى الآن.

ولسوء الحظ، فإن كل المؤسسات البحثية التي تعتبر إيران خطرا على وجود إسرائيل، هي مراكز مؤيدة لإسرائيل. والغالبية الكبيرة منها يؤيدون العمل العسكري ضد إيران. كما أن المناقشات الجديدة تأتي متناقضة مع التصريح الرسمي الإسرائيلي الذي يقول إن إسرائيل تواجه خطرا وجوديا من نظام إيران المتطرف المصمم على إنتاج سلاح نووي، ويقولون إن إسرائيل التي تمتلك 200 رأس نووي وتنظر إلى إيران على أنها قوة مهيمنة في المنطقة بدلا من أن تكون الطرف الأضعف في تلك العلاقة. ومن المحللين الذين يؤيدون عدم وجود توازن في القوى لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، باتريك كلاوسن ومايكل آيزنستاد من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حيث يشير إلى أن هجوم الولايات المتحدة على إيران هو الحل العملي. ويقول تشك فريليتش في مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية التابع لجامعة هارفارد، إن الحرب على إيران ضرورة لوجود مثل عدم التوازن هذا. هؤلاء الأشخاص الثلاثة تربطهم علاقات قوية بالحكومة الإسرائيلية، فمعهد واشنطن يؤيد السياسات الإسرائيلية، ومؤسسه مارتن إندك كان مدير الباحثين في لجنة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية العامة (إيباك) التي تعد اللوبي المناصر لإسرائيل، وفريليتش هو نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق.

وهو ما يعني أن إسرائيل تتلاعب بأميركا والدول الأخرى في منطقتنا للدفاع عن مصالحها الشخصية وحمايتها. وكما قال تشرشل «ليس لدينا أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، بل لدينا مصالح دائمة».

يجب علينا أن نعرف الوجه الحقيقي لإسرائيل التي تبدي قلقها بشأن السنة والعرب في المنطقة. إنهم يعتقدون أن إيران خطر على وجود إسرائيل، لكنهم يتظاهرون بأن إيران خطر على العرب والسنة.