فرصة وسط الأزمة

TT

وسط النزيف المستمر في أسواق المال العالمية عموما والعربية تحديدا، يبقى السؤال الدائم التكرار هو «أين الحل؟»، وطبعا هذا السؤال هو بمثابة باب لا يمكن إغلاقه، فالإجابات عنه لا تتوقف وهي أشبه ما تكون بسيل منهمر، لأن الموضوع مهم ومن الممكن تناوله من زوايا مختلفة وأوضاع متعددة. حزمة الحلول والمقترحات المقدمة تتراوح ما بين الممكن والمعقول والخيالي والمستحيل، إلا أن هذا لا يعني أنه لا توجد بعض الإجراءات الممكنة والكفيلة بإحداث بعض الحراك الإيجابي في الأسواق الذي من شأنه أن يكسر حاجز القلق والخوف ويعيد بناء الجسور المشروخة بين المستثمر والسوق. الأسواق تعاني من أزمة، هذا مؤكد وليس بحاجة إلى شهادة من رجل الشارع أو من عالم في الاقتصاد، ولكنه في هذا الوضع تحديدا يشكل فرصة تاريخية لإعادة البناء فيها وتقويته، وهذا تحديدا ينطبق على الأسواق الناشئة والأسواق العربية كجزء أساسي من هذه الأسواق. الأسواق في مثل هذه الظروف المضطربة تكون شديدة الحساسية لأي مؤشر إيجابي أو حراك مؤثر، ولعل أبلغ اتجاه داعم لذلك هو القيام بمجموعة من الاستحواذات أو الاندماجات بين الشركات الموجودة والمدرجة في السوق، ومن الممكن أن تقوم بذلك الشركات التي بها حصص استراتيجية للحكومات، فتدخل في اندماجات أو تقوم باستحواذات لشركات أخرى. هذه النوعية من القرارات من شأنها أن تكون نوعية جديدة من الشركات.. شركات أقوى وأكثر تماسكا وأكثر جدية وبخبرة استثنائية تم الحصول عليها في ظروف مسعورة. ومن خلال بناء شركات أقوى من المنطقي أن يولد ذلك أسواقا مالية أكثر كفاءة وبفعالية أهم وخصوصا على المدى الطويل. ثقافة الاندماج والاستحواذ لا تزال ضعيفة جدا ومن الممكن القول إنها في واقع الأمر غائبة تماما، وعليه في حالة «إطلاق» بعض الصفقات بدعم وزخم قوي وحقيقي من المرجح أن تتسبب هذه الفرصة في تكوين تأثير عريض أشبه بكرة الثلج الصغيرة التي تبدأ في التدحرج حتى تتحول إلى عملاق ضخم بقوة هائلة تنتقل من سوق إلى آخر، بل إن هناك أكثر من قطاع استراتيجي مثل الاتصالات والاسمنت والمصارف والتأمين والنقل مرشح بأن يكون قادرا على عمل استحواذات واندماجات عابرة للحدود ومحدثة أحجاما ومعايير جديدة من شأنها أن تعيد النظر للأسواق العربية بعين واثقة ومهنية. وسط أكوام الحطام الموجودة بسبب إعصار السوق المدمر، لا بد من التركيز على إيجاد الفرص الإيجابية والتعامل معها والاقتناع أن هذه الأحداث ما هي إلا وسيلة للإصلاح والتصحيح وإعادة البناء. إنها «حجامة» مالية من النوع الفاخر. كثر الحديث عن التدخل الحكومي لإنقاذ السوق، وذكر من خلال هذا الطرح العديد من الأمثلة لدعم ذلك، وكان هناك من يؤيد ويعدد المزايا المصاحبة لذلك ويفندها، وكان هناك من يعارض ويقدم الأدلة التي تؤيد خطورة ذلك على استقلال الأسواق. ولكن هناك أساليب للتدخل الحكومي غير المباشر من شأنها أن تساعد على تغيير طويل الأجل في ثقافة الأسواق، أشبه بالتدخل الجراحي الدقيق، وهو مختلف تماما عن الإلقاء بمبالغ في الأسواق لشراء حصص ترفع المؤشرات بشكل مؤقت يشابه العلاج بحبوب مسكنة سرعان ما ينتهي مفعولها وتعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق.

[email protected]