البعد اللبناني لظاهرة أوباما

TT

قيل الكثير عن المغزى الأميركي لانتخاب أول مرشح من الأقليات الإثنية الأميركية رئيسا لكل الولايات المتحدة. وفي أوروبا قيل الكثير عن الأبعاد المتوقعة لهذا الانفتاح الديمقراطي على مستقبل مجتمعاتهم المتعددة الإثنيات والطوائف.. ولكن هل مر في خاطر سياسي لبناني واحد تساؤل، ولو مبدئي، عن احتمال انسحاب «الظاهرة الأوبامية» على الساحة السياسية في بلده واستطرادا نتائجها المتوقعة على ديمقراطيته «التوافقية»؟ بعيدا عن كل مآخذ العرب السياسية على الولايات المتحدة، يصعب إنكار الدور الريادي للديمقراطية الأميركية في إيصال سياسي من الأقليات المهمشة ـ بل المضطهدة حتى وقت غير بعيد ـ الى سدة الرئاسة الأولى للدولة الأولى في العالم ولا دورها في إتاحة فرصة «قومية» لتصالح شرائح المجتمع الأميركي المتنوعة الجذور والمشارب مع بعضها البعض.

من مفارقات الصدف أن يكون هذا التصالح، لا «تبويس اللحى الحزبية»، هو المطلوب اليوم في لبنان إذا كان اللبنانيون جادين في إقامة «الدولة ـ المؤسسة» لا «الدولة ـ التسوية». قبل الاسترسال في هذا المنطق يجدر التذكير بأن كل طوائف لبنان أقليات في بلدها، مهما قويت شكيمتها في مرحلة ما أو تمدد نطاق تسلطها على «إقطاعات» طائفة أخرى.

وانطلاقا من منطق «الكل أقليات» في لبنان، لا بد من التذكير بأن لبنان جرّب، منذ استقلاله حتى اليوم، ما يمكن وصفه بحكم الأكثريين ـ نسبيا ـ بين الأقليات وفشل فشلا ذريعا في تأسيس الدولة القادرة.. فلماذا لا يبدأ بتجربة حكم الأقليين بين الأقليات، لا لتأكيد بلوغ اللبنانيين أعلى مراتب الديمقراطية، بل لإخراج بلدهم من الحلقة المذهبية المفرغة التي تدور فيها علاقات «الأقليات ـ الأكثرية» الثلاث: الموارنة والسنة والشيعة؟

مغزى انتخاب أوباما ومنطق التطور التاريخي يرجحان بأنه لم يعد بعيدا ذلك اليوم الذي ستصبح فيه بدلة لبنان الديمقراطية غير متناسقة مع مقاس جسمه السياسي.. فهل احتاطت قياداته السياسية للتحولات المستقبلية المحتملة؟

أسوأ ما يمكن أن يحدث لسياسي ما، أو حزب ما، أن تتحول طروحاته الى مصدر ملل لمستمعيه، فلماذا لا يخرج قطب سياسي واحد على حالة الملل الإعلامي المسيطرة حاليا على الخطاب السياسي اللبناني باقتراح جريء يفتح الباب لتعديل دستوري يتيح تبوّؤ الرئاسات اللبنانية الثلاث من أي مرشح من خارج الطائفة المعقود عليها لواء هذه الرئاسات.

وبعد انتخاب «الأقلي» باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، ماذا يحول دون انتخاب «أقلي» أرثوذكسي أو كاثوليكي أو درزي لرئاسة لبنان إذا توفرت فيه الكفاءة المطلوبة لشغلها؟

ربما يوحى هذا الاقتراح بأنه مشروع حرمان أبناء مذهب واحد من منصب تعاقبوا عليه منذ الاستقلال، ولكن نزع الشرط المذهبي عن الرئاسات الثلاث بأجمعها من شأنه تصحيح خلل ديمقراطية لبنان التوافقية بحيث لا تبدو وكأنها مشروع حرمان لأبناء بعض الأقليات من هذا المنصب إلى أبد الآبدين.

وإذا كان يجوز الحديث عن تجربة سويسرا العسكرية لاقتراح استراتيجية دفاعية لبنانية تقوم على مبدأ «الشعب المقاوم»، فلماذا لا يجوز الحديث عن تجربتها السياسية واقتراح إقامة مجلس رئاسي للبنان مشكل من الطوائف الست الرئيسية فيه (مسيحيا: الموارنة والأرثوذكس والكاثوليك، وإسلاميا: السنة والشيعة والدروز) يتولى رئاسته ـ عمليا رئاسة الدولة ـ أحد أبناء هذه الطوائف في إطار نظام مداورة (على غرار المداورة على منصب رئاسة الدولة بين كل الأقليات الإثنية في سويسرا) بحيث يضمن هذا النظام حق الأقليات في تحمل مسؤوليات البلاد لمدة محددة يمكن ألا تتجاوز السنة الواحدة، ويعيد بعض المصداقية الى وصف لبنان بسويسرا الشرق.

آن الأوان لأن يشعر أبناء كل الطوائف والمذاهب اللبنانية أنهم متساوون في الحقوق كما في الواجبات، وبالمقابل أن يشعر ممثلوهم أيضا أن طموحهم السياسي لا تحدده سلفا خانة المذهب في بطاقة هويته.

وقد يكون المكسب الجانبي لنظام المداورة المذهبية على المنصب الرئاسي الأول إقناع كل الطوائف اللبنانية بأنها تملك مصلحة ذاتية في ارتباطها بالكيان اللبناني، وربما إقناع طائفة معينة بأن حتمية تسلمها لمقادير الدولة بأكلمها، ولو لفترة زمنية محددة، بديل عملي عن مشروع الدويلة الموازية للدولة الرسمية.