هل يستطيع غيتنر ومساعدوه حل الأزمة؟

TT

بدأت عملية تشكيل فريق أوباما الاقتصادي، وربما كان ذلك متأخرا للغاية. وبعد أسبوع مريع في وول ستريت، أثار تسريب خبر ترشيح تيم غيتنر لمنصب وزير الخزانة تحسنا كبيرا. كما أُعلن نهاية الأسبوع أن لاري سومرز سيتولى أعلى منصب اقتصادي في البيت الأبيض، في الوقت الذي خصص فيه أوباما خطابه الإذاعي للتعهد بخطة تحفيز اقتصادية ضخمة. ولكن ثمة حاجة إلى أن يحقق الفريق الجديد تقدما، فقد تسبب الإعصار المالي في خسائر مستحيلة كما أنه يزداد سوءا. ولا يمكن أن ينتظر غيتنر وسومرز حتى يناير (كانون الثاني) للخروج بحلول أخرى: ورئاسية أوباما عرضة للمخاطر قبل حتى أن يتولى منصبه. لقد تحولت الأزمة المالية إلى عدة أزمات متزامنة تتغذى على بعضها بعضا فأصاب انهيار قطاع العقارات البنوك بالشلل، فمنعت البنوك المشلولة القروض عن الشركات، قامت تلك الشركات التي تحتاج إلى قروض بتسريح موظفيها، فعجز هؤلاء الموظفون عن سداد قيم الرهون العقارية، مما زاد من انهيار قطاع العقارات. وفي عملية مماثلة، توقفت المؤسسات المالية المتعثرة عن منح قروض السيارات، وهو ما تسبب في توقف المستهلكين عن شراء السيارات، ما دفع شركات السيارات إلى حافة الهاوية. وإذا انهارت شركات السيارات، سيتكبد النظام المالي دفعة جديدة من الخسائر في الوظائف والعجز عن سداد قيمة الرهون العقارية.

ويخطط الجميع لمستقبله على افتراض أن الأصول ما زالت أصولا، وليست مجرد صورة افتراضية ثلاثية الأبعاد. ولكن في غمار هذه الأزمة، تبدد حوالي 11 تريليون دولار من ثروات الأسر. وذهبت قيمة العقارات، وخطط التقاعد 401(k)، وحسابات السمسرة. وليس من المفاجئ أن المستهلكين المصدومين يقاطعون المحلات، ما يهدد بمزيد من حالات الإفلاس والخسائر في البنوك.

وفي الوقت نفسه، أصبحت الأزمة عالمية. وفي سبتمبر (أيلول)، صرح الرئيس البرازيلي: «يسألني الناس عن الأزمة، وأجيبهم: «اذهبوا واسألوا بوش». إنها أزمته هو وليس أنا». ولكن اليوم، تعاني كل الأسواق الناشئة تقريبا من الأزمة، بغض النظر عما إذا كانت مصدرة أو مستوردة للبترول، مصنعة للإليكترونيات أو بها مناجم نحاس. وتضر الأزمة التي تصيب كل دولة من القدرات التصديرية للدولة التي بجوارها. وتتهاوى الحلقة المفرغة.

في حالات التراجع الاقتصادي العادية، تواجه البنوك المركزية صعوبات أقل في وقف الانهيار. وعلى سبيل المثال في عام 2001، عوضت تخفيضات أسعار الفائدة التي أقرها المصرف الاحتياطي الفيدرالي الأزمة التي كان يعاني منها قطاع التكنولوجيا عن طريق تحفيز بناء العقارات. ولكن الذي يحدث الآن ليس تراجعا عاديا، فقد خفض الاحتياطي الفيدرالي بالفعل من أسعار الفائدة واتخذ إجراءات غير مسبوقة لدعم النظام المالي. وأقر الكونغرس خطة تحفيز اقتصادي ومنح تفويضا لوزارة الخزانة في خطة إنقاذ للبنوك تبلغ قيمتها 700 مليار دولار. وتم تأميم مؤسستي التمويل العقاري العملاقتين فاني ماي وفريدي ماك. ولكن على الرغم من أن صناع القرار الأميركيين قد فعلوا الكثير في وقت أقل مقارنة بأي فريق آخر في التاريخ، إلا انهم لم يحققوا المطلوب بعد، وفي كل مرة يترددون في قراراتهم، تتراجع الأسواق إلى درجات أدنى. ويظهر الحشد المبتهج في وول ستريت الذي رحب بترشيح غيتنر مدى احتياج المستثمرين للقيادة. وبتعهده بخطة تحفيز اقتصادي كبيرة، أظهر أوباما أنه يتفهم الحاجة إلى تغيير الحالة النفسية ووقف الانهيار. ولكن ستستغرق الخطة التحفيزية وقتا لتجد أثرها في الاقتصاد، ويحتاج أوباما إلى علاج مؤقت له مفعول أسرع. ويتضمن أكثر الحلول تفاؤلا العمل بهدوء مع الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يناسب غيتنر، الرئيس السابق للمصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

ويتمتع الاحتياطي الفيدرالي بسلطة تخفيض أسعار الفائدة قصيرة وطويلة المدى. ولنتخيل مجموعة من الأوراق المالية المتعلق بالرهن العقاري تبلغ قيمتها 100 دولار، ويبلغ سعر فائدتها السنوية 6 دولارات، مما يعني أن سعر الفائدة 6 في المائة. قد يعلن الاحتياطي الفيدرالي عن رغبته في شراء مثل هذه الأوراق المالية بسعر 150 دولارا، مما يخفض من سعر الفائدة إلى 4 في المائة. وفي الوقت الذي يفعل فيه ذلك، سترتفع قيمة محافظ الرهون العقارية بالبنوك، لأن الاحتياطي الفيدرالي سيعرض شراءها الآن بأسعار أعلى من سعرها. وفي الوقت نفسه، يمكن للعائلات إصلاح شؤونها المالية لأن أسعار الرهون العقارية ستنخفض. ويكمن الشرك في أنه من أجل شراء تلك الرهون العقارية، سيحتاج المصرف الفيدرالي إلى طبع نقود، وهو ما قد يتسبب في النهاية في حدوث تضخم. وبافتراض حدوث عجز عن سداد قيمة بعض الرهون، وسيؤدي قرار المصرف الفيدرالي إلى زيادة العبء على الميزانية، ولن يرغب في فعل ذلك دون تصديق فريق وزارة الخزانة الجديد. تعد مطالبة المصرف الفيدرالي بطباعة النقود حلا راديكاليا. ولكن تتطلب أوقات الفاقة حلولا ابتكارية. ولحسن الحظ، اختار أوباما أن يحيط نفسه بمجموعة من التكنوقراطيين البراغماتيين الذين يتفوقون في الحلول الارتجالية الجديدة والملائمة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»