أن أموت مشنوقا محروقا.. ممكن !

TT

شيء غريب أن أقول كلاماً غريباً في هذه السن الصغيرة. فعندما زار مدرستنا وزير المعارف حسين هيكل باشا سألني: وأنت ماذا تحب أن تكون؟ فقلت: كنت أحب أن أكون آدم. فضحك الوزير وقال: ولكن يعني أيه يا ابني. فقلت: ألا يكون لي أب ولا أم!

وضحك. وأظنه عرف من الأساتذة أن أبي مريض وأمي كذلك. وأنني لا أعرف كيف أنام ولا آكل ومع ذلك فإنني أول المدرسة في كل الشهادات العامة، بل الأول على مصر..

وفي مجلة كلية الآداب كان أول مقال لي عنوانه: لما سألوني فقلت أدخل جهنم. وجاء الملكان يسألان. فقلت: إنني لم أقرأ بما فيه الكفاية في الدين ورغم أنني أحفظ القرآن إلا أنني لا أفهم الكثير. ثم إن الفلسفة قد استغرقتني فأغرقتني. ولم أفعل ولم أفكر ولن أفكر في أي شيء يدخلني الجنة. فلا داعي للحساب. ألقوا بي في جهنم. وتهامس الملائكة بما أفهمني أن هناك إرادة عليا بأنني لم أخطئ وإنما حاولت أن أفهم حكمة الله فشغلتني عن الصلاة.. مع أن العلم والإيمان بعظمة الله عبادة؟!

وفي يوم سألني الأستاذ العقاد: من الذي تختاره مثلاً أعلى لك.. فلم أفكر طويلاً وقلت: سافونا رولا.. فتضايق الأستاذ بهذه الإجابة وقال: يا مولانا.. ولماذا هذا الرجل إن هناك قديسين يستحقون أن يكونوا مثلاً عليا: القديس أوغسطين.. القديس توما الإكويني والعاشق الولهان القديس أبيلار ومحبوبته الراهبة هلنويزا؟

وسافونا رولا لم يعجب البابا. واستدعاه إلى روما.. فرفض. فأصدر البابا فرمانا بطرده من الكنيسة وكذلك من المدينة التي يعيش فيها ومنعه من الصلاة في داخل الكنيسة. وسكت العقاد ليعرف المعنى والهدف وسبب اختياري سافونا رولا (1498 – 1542) فقلت أدانوه وسجنوه وشنقوه وأحرقوه. لأنه صاحب رأي..

فقال العقاد: وأنت ما رأيك يا مولانا الذي تستحق عليه مثل هذه العقوبة. فقلت: الآن ليس بعد ولكن اعتقد أن هذه هي النهاية!

واسترد العقاد جلسته وتراجع في مقعده وكأنه اقتنع فقال: ممكن.. فالمسيح يقول: أحمل صليبك واتبعني.. أي أحمل رأيك.. وأمشي ورائي إلى النهاية المحتومة. ممكن يا مولانا!