من سوزان إلى ابنة ليلى غفران!

TT

تعد أخبار الجرائم الأكثر قراءة في الصحف، والأوفر مشاهدة في القنوات التلفزيونية، فالناس في زمن العنف ربما تطالع تلك الأخبار لتتجنب مصائر ضحاياها، وهم قد يبحثون في تلك التغطيات الصحافية عن وسائل أمنهم وحمايتهم.. ومن الجرائم الحديثة التي حظيت بتغطيات إعلامية مكثفة جريمة مقتل الفنانة سوزان تميم في دبي، ومقتل هبة ابنة الفنانة ليلى غفران وصديقتها نادين في أحد المنتجعات السكنية بمدينة الشيخ زائد بمحافظة 6 أكتوبر بمصر..

ويعاب على بعض التغطيات الصحافية عدم المصداقية، والميل إلى النزعة الفضائحية دون مراعاة لحرمة القتيلات، ولا احترام لمشاعر أسرهن، وذلك بهدف الإثارة، أو المنافسة، أو تأكيد الحضور الإعلامي.. ففي الجريمة المروعة التي أودت بحياة ابنة ليلى غفران وصديقتها، صورت بعض وسائل الإعلام حياة الفتاتين الطالبتين في إحدى الجامعات الخاصة، وكأنها مجرد شراب ومخدرات وسهرات، قبل أن يؤكد الطب الشرعي خلو دم القتيلتين من أي أثر لمخدرات أو كحول، وقبل أن يعترف القاتل بأنه مجرد لص، ولم يكن ضيف سهرة ماجنة، أو بطل علاقة عاطفية ملتهبة.. وأية مراجعة لمحركات البحث في الإنترنت ستطلعك على كم الأخبار المغلوطة التي ارتبطت بالقضية، وأكثر منها ما ارتبط بقضية الفنانة سوزان تميم، وحسنا فعلت محكمة جنايات جنوب القاهرة، حينما قررت في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي برئاسة المستشار محمدي قنصوه حظر النشر بعد أن تحول بعض الإعلاميين والكتاب إلى قضاة ومحققين وقارئي كف وفنجان، واستبقوا المحكمة في إصدار أحكامهم بالإعدام أو السجن، أو البراءة، أو التقييد ضد مجهول.. ولو تخيل أي منا نفسه في موقع والد أو والدة إحدى الضحايا الثلاث لأحزنه الإحساس بالظلم الذي يمكن أن يشعر به، حينما تنتهك، بحجة بحث الإعلام عن الحقيقة، كل الخصوصيات المتصلة بالضحية وأسرتها ومحيطها..

هذه ليست مطالبة بممارسة الهيمنة على الصحافة والصحافيين، أو تكميم الأفواه، وتقييد الأقلام، ولكنها دعوة لـ«بعض» الإعلاميين للعودة إلى أخلاق المهنة، واستشعار المسؤولية الإعلامية تجاه كل ما ينشر أو يبث، ولو أرادت أسر الضحايا أن تقاضي أصحاب الأخبار الملفقة، والافتراضات الخاطئة في القضيتين، فقد تحتاج إلى طابور من المحامين لإنجاز المهمة، فهي تقاضي «مين والا مين»..

الرحمة بأعراض الناس وخصوصياتهم يا «بعض» الإعلاميين.

[email protected]