بوش: لم أكن مستعدا!

TT

كنت انوي، وما ازال، الاسترسال في نقاش عن إرث بوش، الرئيس الاميركي المغادر، وذلك بعد ان ينتقل من البيت الابيض في الشهر المقبل، الا ان حديثه الاخير يستوجب التوقف عنده لقيمته التاريخية. ففي ايحاء واضح اعترف الرئيس في حديثه لمحطة تلفزيون «إي بي سي» انه فشل في ادارة المعركة في العراق منذ البداية، ناقلا اللوم على تقارير جهاز الاستخبارات. قالها بايجاز كأنه يريد ان يتخلص من النقاش، او يهيء لاعترافات مهمة في مذكراته، التي يقال انه باعها بمبلغ قياسي قبل ان يكتب بعد اول حرف فيها بتسعة عشر مليون دولار.

من المؤكد ان مرحلة بوش، وتحديدا حرب العراق، لا يكفيها تبرير سريع كهذا، بل ستبقى موضع نقاش لسنين طويلة. فالحروب الخاسرة عادة يكثر فيها تبادل اللوم كل يرمي الآخر بالطين، اما الانتصارات فلا احد يجادل فيها، مثل الحرب العالمية الثانية رغم مآسيها. نقاش العراق يشابه، رغم الفوارق الكبيرة، حرب فيتنام الخاسرة. فالاميركيون ورثوا تلك الحرب من الفرنسيين، ضمن ما ورثوه كقوة عظمى منتصرة عالميا، واعتبروها معركة اساسية مع القوى الشيوعية آنذاك. وبعد ترنحهم امام هجمات ثوار الفايتكونج، وتدفق توابيت القتلى، تعالت اصوات اميركية ضدها، وانه لا ناقة لهم ولا جمل في فيتنام الفقيرة، التي اثمن ما فيها مزارع الأرز. النقاش مستمر الى اليوم، فالمقتنعون بالحرب يعتبرونها ضرورة لوقف المد الشيوعي آنذاك. يقول الوزير هنري كيسنجر صحيح ان اميركا خسرت فيتنام لكنها حافظت على جنوب شرق اسيا من التمدد الشيوعي، فثمن الانتصار كان باهظا أيضا للشيوعيين في فيتنام.

الرئيس بوش يريد تحميل اللوم على الاستخبارات وفي ذلك عذر ضعيف. مشكلة بوش في العراق لم تكن مبرر الغزو فهو اسقط نظاما اجراميا، رغم خطأ المبرر، بل سلسلة الاخطاء التي ارتكبها في اعقاب الغزو. اما الحرب نفسها فقد كانت من اسرع الانتصارات في التاريخ المعاصر، حيث دخلت القوات الاميركية العاصمة العراقية في ظرف اسبوعين، الى درجة اسكتت نقادها في الغرب وصدمت مؤيدي صدام في الشرق. بدأت مآسي بوش في كل قرار اتخذه بعد سقوط بغداد وادارة العاصمة. سماه احتلالا، وكان بامكانه اشراك الامم المتحدة مع المعارضة العراقية، او خياره الانسب حينها كان تسليم البلاد الى قيادة عسكرية عراقية. فعل العكس، حل الجيش وسرح رجال الامن، واقام مجلس حكم عراقي هش.

بوش لم ينكر بل اعترف بقصور معرفته عندما قال انه لم يكن مستعدا للحرب عندما انتخب، وهذا اعتراف شجاع من رئيس دولة مثله. في رأيي ان العلة لم تكن قصور فهمه بل في اصراره على الاستماع الى الاشخاص الخاطئين من حوله. بوش كان معجبا بالرئيس الاسبق رونالد ريغان، مثل كثير من المحافظين، لانه الزعيم الذي قهر الاتحاد السوفييتي، متجاهلا والده جورج بوش الذي، كان رئيسا افضل من ريغان في ادارة الازمات، مثل الشرق الأوسط. بوش الابن باعد بينه وبين ابيه، ربما حتى لا يكون محل سخرية منافسيه. واتذكر جيدا كيف حاولت بعض القيادات العربية التواصل مع بوش الاب عله يقنع ابنه في قضايا محددة، ورد الاب بان دبليو يرفض الاستماع اليه، مع انه يتوقع من الرئيس عادة ان يستشير من سبقوه بدون ان يكون ملزما برأيهم.

[email protected]