مؤتمر مكة.. والتعريف بالإسلام

TT

إن مرور أية أمة بأزمات عصيبة لا يشكل في حد ذاته مأساة كبرى، ذلك أن قوة الأمم وصلابتها تُقاس بمدى قدرتها على التجاوز وتذليل مشاكلها وضبط آليات المعالجة السليمة. وكلّما كانت قدرتنا على فهم مشكلاتنا عميقة وصائبة، كلّما ضمنا نجاحا مسبقا في القضاء على أية أزمة تبدو للوهلة الأولى قاصمة للظهر.

ونعتقد أن اختيار مؤتمر مكة المكرمة في دورته التاسعة موضوع التعريف بالإسلام في البلدان غير الإسلامية, الذي أختتم أعماله أخيرا من خلال مقاربة الواقع ورسم المأمول، اختيار دقيق ومهم وينم عن جدية في تحمل مسؤولية إزالة الشوائب والأفكار المسبقة والخاطئة العالقة بالإسلام تعريفا وقيما وصورة ورموزا.

واللافت في اختيار الموضوع وتوصيات المؤتمر وما يدعو حقيقة للاستحسان هو أنه نتاج عقل يروم الحوار ويقاطع النرجسية الدينية باعتبار أن التفكير في التعريف بالإسلام في البلدان غير الإسلامية، يكشف عن حالة وعي حقيقية وصريحة لا تغالط نفسها وتعترف بوجود حالة من الجهل إزاء الدين الإسلامي، وهي الحالة التي سهلت مع الأسف اختراق المخيال الاجتماعي والثقافي للمجتمعات غير الإسلامية وشحنها بما لا يمت للإسلام بأية صلة.

بل أن مجرد طرح هذا الموضوع ومناقشته، يعد ردا كافيا للمجموعات التي ترى أن الإسلام أكبر من أن يُعرف به وأنه لا يحتاج إلى ذلك وهو تفكير منغلق تصدره عقول إقصائية قصيرة النظر ولا ترى في المشهد سواها.

ولأن أغلب ما نعيشه من سوء فهم هو في جوهره نتاج جهل ثقافي متبادل، فإنه لا حل سوى الحوار والنقاش والتفكير وتبادل وجهات النظر من خلال فضاءات فكرية وإعلامية، تُصيب الهدف وتحقق الحوار المنشود الذي وحده يفرض المفاهيم النقية والصحيحة ويعطي لكل دين وثقافة حقهما من القيمة الأخلاقية والروحية والإنسانية.

ونظن أن توصيات مؤتمر مكة المكرمة الذي حظي برعاية خادم الحرمين وتنظيم رابطة العالم الإسلامي والمتمثلة في رصد الجهود والتعرف إلى التحدّيات والمعوقات التي تواجه التعريف بالإسلام إضافة إلى المستقبل المأمول، هي على غاية من الدقة ومن جدية الطرح حيث أنه من الواضح أنها تنطلق من إقرار بأن الجهود المبذولة متواضعة الشيء الذي يجعلنا نطمع في التوصل إلى ضبط استراتيجية اتصال على مستوى عال من الدقة والفعالية بحيث يتم التعريف بالإسلام في البلدان غير الإسلامية وفق آليات تُكسبنا الوقت وتنتهي بنا إلى نتائج مرضية، خصوصا أن الجهود اللازم بذلها هي ثقافية بالأساس وفكرية في العمق.

ولعله سيكون مجديا أن نجمع بين الطرائق المباشرة وغير المباشرة في عملية التعريف بالإسلام، ذلك أن التعرف إلى النتاج الفني والإبداعي والثقافي للمجتمعات المسلمة، يصب في عمق التعريف بثقافة الإسلام لأن المبدع المسلم هو نتاج ثقافته وقيمه الدينية وما يتمثله في آثاره الفنية هو في جزء من خطابه الجمالي يحمل مقولات الإسلام الثقافية حول الإنسان والحياة والآخر.

من جهة أخرى، من المهم التوضيح بأن مسألة التعريف بالإسلام مسؤولية كل البلدان الإسلامية والجميع معني بالمشاركة والتفكير. فالواجب يحمل صبغة جماعية، وعندما نوفق في مهمة التعريف بالإسلام في الدول غير الإسلامية، لعله يكون من المفيد حماية المفاهيم والقيم الإسلامية من المتطرفين وغير العارفين في البلدان الإسلامية ذاتها.

[email protected]