مزايا تنافسية

TT

كثير من شعوب العالم تمكنت من تحويل الخصائص الشخصية لها إلى منتجات قابلة للتصدير، فالسويسريون المهووسون بالدقة والتفاصيل برعوا في شيء مشابه وهو صناعة الساعات والشيكولاته، والفرنسيون المغرمون بالذوق والفنون برعوا في صناعة كل منتجات الفخامة من أزياء وعطور ومفروشات، والألمان الذين برعوا في التصميم والهندسة تألقوا في السيارات والمنتجات الهندسية الرائعة، وطبعا هناك أمثلة أخرى تؤكد نفس المقولة بالنسبة لليابانيين والإيطاليين وغيرهم. وإذا نظرنا إلى الوضع العربي، فنجد أن الخصائص الشخصية للشعوب العربية لم يتم استغلالها بالشكل الاقتصادي الجذاب. «فمساحة» أهل السودان لم تترجم إلى شيء قد تستفيد منه البلاد، وكذلك خفة دم المصريين، ومهارة الطبخ في سورية أو فعالية الأردنيين، وحرص الحضارم في أموالهم، وغيرها من الخصائص مع سائر الشعوب العربية. قد يبدو الطرح غريبا وأقرب للهزل منه إلى الجد، ولكن هناك العديد من الدراسات والكتب التي تشير إلى أن هناك مزايا تنافسية لبعض الشعوب عن بعض حتى داخل المحيط الواحد. فمثلا بالرغم من وجود «دول» السوق الأوروبية المشتركة، إلا أنه لا يمكن مقارنة النظام في ألمانيا مع اليونان أو الجماليات الفرنسية مع بريطانيا وهكذا، وبالتالي تمكنت هذه الدول من فرض مزاياها التسويقية ومزاياها التنافسية و«مركزة» نفسها داخل سوق عالمي محموم، واستمرت في البناء على السمعة بالحفاظ عليها وتطويرها، وهناك صورة معكوسة مثلا حصدتها تايوان عبر سنوات من إنتاج السلع المقلدة والرخيصة، مما جعلها أسيرة صورة ذهنية لا تتغير بالرغم من أن تايوان تنتج اليوم العديد من السلع الالكترونية والصناعية الممتازة، ولكن السمعة التي تكونت عبر السنين بات من الصعب الخلاص منها بسهولة أو حتى بصعوبة. في عالم متغير كل ميزة تنافسية تحسب لدولها حتى على مستوى سوق العمل، فهناك مهارات محاسبية وعلمية وهندسية وطبية وحقوقية تألق فيها بعض العرب، ولكن لفترات متقطعة ولم يتمكنوا من البناء عليها وبالتالي تكوين الإرث التاريخي الكافي لكي يكون هناك «فرق» كاف بينهم وكفيل بأن يميزهم عن البعض. الدول ترعى مزاياها وتطورها وتسعى لتنميتها بدلا من مجرد معرفتها والاكتفاء بها كفلكلور أثري يجلب البسمة على الشفاه ليس أكثر. المزايا التنافسية للشعوب فرصة اقتصادية مدفونة قد تجلب الكثير لو أحسن استغلالها بوعي وحماس.

[email protected]