أعان الله السوريين على عون

TT

كل يعرف الجنرال ميشيل عون بشخصه، وليس كقائد للتيار الوطني الحر اللبناني، فشهرته اوسع من تياره بمسافة بعيدة. يعرفونه كصاحب لسان حاد، ومزاج متقلب، وأهم من ذلك الـ«أنا» المتضخمة.

الأنا العونية هي التي جعلته مختلفا عن بقية القيادات السياسية. الأنا العونية صاخبة، وبلا بوصلة، ومن المحتم الصدام بها. قبل ثلاث سنوات صرخ في مريديه عندما خرجوا لاستقباله بعد عودته من المنفى يأمرهم بالسكوت حتى يتكلم.

أتخيل ان السوريين يشعرون بمزيج من الامتنان والضيق من الجنرال. سعداء لانه انقلب على مواقفه العدائية، كان ألد أعداء سورية على الاطلاق، وأطولهم لسانا ضدها رغم انه كان يهجوهم من مقاهي باريس البعيدة. هم شاكرون لانه تحول الى فرقة صاخبة ضد خصوم دمشق، ووفيا لرفاقها.

لكن دمشق اكثر دراية بالزعماء اللبنانيين من انفسهم، تعلم ان الجنرال البرتقالي رجل متقلب، وان حلفاءها، حلفاؤه اليوم ايضا، في قلق ونفور منه يتحاشون حتى تناول الشاي معه. فقد ازعجهم في وقت الانتخابات، اكثر مما ازعج خصومه في تيار 14 آذار، يلح باصرار على اختياره رئيسا، مرددا جملته الشهيرة «أنا أو لا أحد». يعرفون ان اختيار مرشح من خصومهم، لو اضطروا، آمن عاقبة الف مرة من تنصيب حليفهم البرتقالي. لهذا تجاهلوه سريعا بعد اتفاق الصلح في الدوحة، واختاروا عمادا آخر رئيسا للجمهورية، ورفضوا ان يعدوه بالرئاسة حتى بعد اربع سنوات.

التقيت مرة أحد اتباع عون الذي اعترف انه ابتعد عن زعيمه لأنه لم يعد يحتمل. قال إنه يتفق مع الجنرال في معظم القضايا لكن المشكلة في الرجل لا في القضايا.

لذا أظن ان لسان حال السوريين يقول، انه الزمن الرديء الذي جعلنا نقبل بعون حليفا. وربما هذا السبب لم يدع الى دمشق ثلاث سنوات، ربما على أمل ان ينتقل الى معسكر 14 آذار. وبعد تباطؤ طويل قرروا استعجاله فبعثوا له طائرة تقله، في حين كان الاسهل والأرخص ان يستقل سيارته، كبقية الزعماء اللبنانيين، فالمسافة بالسيارة بين العاصمتين ساعتان فقط. دمشق عرفت كيف ترضي غرور الزعامة عند الزعيم الذي لم يحصل على شيء بعد منذ عودته من باريس، لا كرسي رئاسة الجمهورية، ولا زعامة المسيحيين. طافوا به في بعض الكنائس السورية، وبعض المواقع الأثرية، واعطوه نسخة من القرآن، وألبسوه عباءة عربية، كما لو كان ضيفا عليهم من السويد. وهو بالفعل مثل زائر من بلاد اسكندنافيا لم يراع الأصول. 

عون حتى يبرر لماذا غير موقفه من العدو رقم واحد لسورية الى الحليف اللصيق، ادعى بان سورية هي التي تغيرت، وان عهد الابن غير عهد الأب! ومن فرط حماسه، هدد اسرائيل بان تعيد اللاجئين الفلسطينيين والا.. ، دون ان يكمل معنى الجملة. ثم في حالة حماسه المفرطة طالب شعبه اللبناني ان يعتذر أولا لسورية, ثم قيل أنه لم يقلها.

بالفعل أعان الله السوريين.

[email protected]