كلها شاشات

TT

انتميت إلى عدة عصور. أفقت أولا على شيء يسمى الراديو. صندوق جميل له ضوء وأزرار، يرسل الموسيقى والأغاني. لكن لكي تستمع العائلة إلى الراديو كان على الجميع أن يتحلقوا حوله. ثم جاء الترانزيستور من اليابان. ولم يعد للراديو الضخم ضرورة ولا حتى للكهرباء. بطارية صغيرة تكفي. ثم دخلنا عصر الشاشة، ولم نخرج بعد. جاء التلفزيون ومعه الصوت والصورة. وراح كل شيء يطور على هذا الأساس: الشاشة! وكيفما ذهبت أو أتيت أرى حولي الآن عالماً من الشاشات: التلفزيون، الانترنت، الجوال، دليل السير في السيارة، لوحة الإذاعة في السيارة. كل ما حولك وما حولي.

أدخل أحيانا إلى سهرة فأرى أصدقائي جميعاً أمام شاشاتهم. واحد يقرأ عليها كتبه. وواحد يقرأ صحفه. وواحد يراجع نتائج المباريات حول العالم. وواحد يلعب الورق. وواحد يحضر فيلمه المفضل. وواحد يراجع الرسائل التي لم يقرأها بعد. وواحد يتابع آخر حالات السوء في السوق.

لا أحد من دون شاشته. أو من دون «البلاكبيري». وكما قال أحد الكتّاب الأميركيين فإننا عشنا عقوداً طويلة مع غوتنبرغ الذي اخترع المطبعة والآن انتقلنا من عصر الكتاب إلى عصر الشاشة. ومن القراءة إلى المشاهدة.

أعتقد أن «الشاشة» سوف تغير حياتنا بعد حين. لن تعود «القراءة» هي ما نعرف اليوم، بل سوف تصبح نوعاً آخر من القراءة ونوعاً آخر من الثقافة. ولا أدري أيهما أفضل أو أيهما أعمق أو أيهما أكثر فائدة: أن تحمل المكتبة العامة إليك أو أن تذهب إلى عالمها الباهر، أن تتنقل سريعاً بين الكتب أو أن تعيش معها وتشتمّ عبق التاريخ والعبقريات والتعب الذي تحمله.

ربما لم يعد ذلك ضروريا الآن. ففي عالم الازدحام هذا نهرق الوقت في الطريق إلى المكتبة وليس بين الكتب. وفي أي حال فقد أصبحت المكتبات بلا مستقبل، ليس فقط بسبب الانترنت، بل كما لاحظ الناقد عبده وازن، بسبب كثرة المعارض التي يذهب إليها الناس ليأخذوا منها «مؤونتهم».

سوف تقرأ الناس أكثر على الشاشة لكن مفهوم القراءة لن يبقى كما هو. عالم الشاشة متسع وليس عميقاً مثل عالم غوتنبرغ. وليس جميلا مثله. وهو أيضا بلا عبق.