حال الدنيا

TT

لا شيء في الأخبار يسر الخاطر. لا الجوع في غزة ولا الارهاب في مومباي ولا الفيضان في فينيسيا ولا الهبوط في البورصة. ولذلك طويت الصحف وهجرت التلفزيون وقررت الاكتفاء مؤقتا بملف خاص على الكمبيوتر احتفظ فيه بالنكات.

أعجبتني نكتة عن زوجة عجوز شعرت بنوبة رومانس حادة وملحة فقالت لزوجها وهما يتأهبان للنوم: رحم الله ايام الشباب حين كنت تحتضن يدي بين يديك. فغالب الزوج سلطان النوم وامسك بيدها برهة ثم انقلب على الجانب الاخر لينام. فاذا بها تقول: هل تتذكر متى قبلتني آخر مرة؟ فزفر العجوز زفرة صبر جميل وتقلب مرة اخرى وطبع على خدها قبلة، فقالت: كم اشتاق الى شقاوة زمان حين كنت تشفع القبلة بعضة صغيرة على خدي.

وهنا دفع العجوز الغطاء بغضب مكتوم وتأهب لترك الفراش فسألته زوجته: إلى اين؟ فقال بصبر نافد: لأبحث عن طقم اسناني.

ضحكت، ثم تداعت افكاري الى الضحك و الحب. وادركت انهما لا يجتمعان الا فيما ندر. وابلغ دليل على ذلك رائعة شكسبير روميو وجولييت. روميو لم يضحك مع جولييت من اول المسرحية الى اخرها.. وليس هذا اتهاما لشكسبير وحده لأنني بعد تفكير متأن أدركت بأن مسألة الحب في مخيلة الادباء كلها جد في جد ونادرا ما تمنح فرصة، ولو ضئيلة، لكي يضحك الحبيبان معا ولو على حساب نفسيهما. في روايات الحب تطغى الدراما على كل شيء. الآهات كثيرة والتنهدات والدموع. كل حبيب ينشغل بالحبيبة والحبيبة تسهر الليل وهي تفكر، وتقضي النهار في قلق وخوف من الم الفراق. حاولت عبثا ان اتذكر عملا ادبيا واحدا يقنعني بأن الحب ليس كله نكدا ووجدا واشتعالا.

لو صدقنا الشعراء والادباء وكتاب السيناريو، لصدقنا ان كل محب لديه قدرة متصلة على قرض الشعر وابتكار تنويعات بلاغية على جملة واحدة المبتدأ فيها والخبر هما الحبيبة. ولصدقنا ان العاشق لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يحلق ذقنه او يقص اظافره ولا يسيل لعابه حين تتصاعد رائحة الطعام من المطبخ لأنه مشغول بالحب.

المثال الوحيد الذي يقترب من واقع الحياة والتجربة هو رواية جابرييل جارسيا ماركيز بعنوان «الحب في زمن الكوليرا». فهي قصة حبيبين يلتقيان بعد فراق دام خمسين عاما. البطلة فيمينا كانت فتاة جميلة وقعت في حب موظف بسيط وانغمست في الاحلام ومراسلات الحب. وكما هو الحال في الافلام العربية لم تكلل قصة الحب بالزواج. تزوجت فيمينا رجلا اخر. وقطع الحبيب على نفسه عهدا بأن يظل وفيا لذكرى الحب ما دام حيا. وبعد سنوات كثيرة مات زوج فيمينا قضاء وقدرا. وبدون تدبير مهدت الظروف للأرملة ان تلتقي بحبيبها الاول. وبقدرة قادر اشتعل قنديل الحب مرة اخرى بعد خمسين عاما. وهنا تلعب الفكاهة دورها حيث ان تدفق العواطف تدخلت معه احاسيس من نوع اخر. فكلا الحبيبين يشعر بآلام الروماتيزم، والحبيب يشكو من صلع الرأس والام الاسنان. وهكذا يخرج الحبيبان من فردوس الأسى الاول عبر جسر الفراق الى فردوس الأسى الثاني عبر عيادة الطبيب.

مهما ساءت احوال الدنيا لا تفقد قدرتك على الضحك حتى لو كشفت لك الحياة عن وجهها الخالي من الماكياج. غدا قد ينتصر الحق على الباطل فتتبدل الدنيا من حال الى حال.