صدقوني

TT

أهنئكم بالعيد السعيد، وأريد أن أنقل لكم هذه القصة ـ مع بعض التحوير ـ وأترك لكم الحكم.

يحكى أن جماعة من المتزلفين المتملقين كانت تحيط بأحد (الولاة) وتكثر من إطرائه ومديحه، وكان للوالي نديم حكيم يرى ويسمع ذلك ولا يجرؤ على تنبيه سيده إليه.

واتفق أن الوالي جلس يوماً لأولئك القوم وجعل يسألهم عن رأيهم في سلطته ومجده، ووعد الذي يقول له الحقيقة أن يمنحه خاتما من الماس النقي، فأخذ كل منهم يطريه ويعظمه ويغرق في المديح، وشرع الوالي يعطي كل واحد ما وعد به.

أما النديم الحكيم فكان صامتاً يصغي إلى ما يقال، فسأله الوالي:

ـ وأنت ألا تريد أن تقول رأيك وتأخذ خاتماً من حجر الماس؟!

ـ مولاي إن النفاق يشرى ويباع، وأما الحقيقة فلا، إن الحقيقة تعطى مجاناً.

ـ قل إذن رأيك فيّ.

ـ أنا أعترف أنك سيدي، وحاكم لكل البلاد من أدناها إلى أقصاها، ولكنني أعتبرك أيضا رجلا مثل كل الرجال الآخرين، مصنوعاً مثلهم من التراب والطين، وأعتقد أن الله أكرمك وولاك على العباد حتى تجعل رعيتك سعيدة.

فسُر الوالي لهذا الجواب، واتخذ ذلك النديم صديقاً، وجعله صاحب مشورته، ولكن مع ذلك لم يعطه الخاتم وحجر الماس.

ثم مرّت الأيام، إلى أن جاء يوم سأل فيه الوالي أولئك المتزلفين المنافقين عما إذا كانوا مسرورين بالعطية التي تفضل بها عليهم.

فأجابوه: إننا نتشرف يا مولانا بعطيتك، وإنما إذا سمحت لنا أن نصارحك، فإننا نقول لك، إن الذي باعك ذلك الماس خدعك.

ـ لماذا؟!

ـ لأنه كان مغشوشا وزائفا.

ـ أتظنون أني لم أكن عالماً بذلك؟! إنني كنت أعرفه جيداً، ولكنني وجدت مديحكم كاذباً وإطراءكم مبالغا به وخادعاً، فشئت أن تكون مكافأتكم على نفس النوعية والمستوى.

انتهت القصة التي لا شك أن فيها بعض السذاجة، ولكنها في نفس الوقت (تضرب على الوتر الحساس) ـ وهذا هو المهم.

وانسياقاً مع نفس روح هذا المقال الجاد اليوم، الذي ليست فيه أية ابتسامة أو (بهللة)، أقول لك يا عزيزي القارئ: تأكد من أن الذي يبدأ كلامه لك بجملة يقول فيها: «قد أكون مخطئاً»، فهو في الغالب على حق، أما الذي يبدأ كلامه قائلا: «صدقني» فهو في الغالب كاذب.

والآن أرجوكم (صدقوني) في كل ما أقول.

[email protected]