سيارة اللكسوس وشجرة الزيتون

TT

لا يغيب عني، أنني كتبت مرات عدة في هذه الزاوية، مبررا العولمة من جانبها «العالمثالثي»، أي من جهة أن النفط حالة عالمية وليس فقط «الهامبرغر»، وان الحرير الصيني ظاهرة كونية وليس فقط مسلسل «دالاس»، أو أن رمز الهاتف الجوال هو «نوكيا» الفنلندي، وسامسونغ الكوري (المفضل عندي) وليس موتورولا الأميركي. لكنني أعترف بأن «العولمة» بالمعنى الذي يفهمه أعداؤها والمبشرون بها، أي سيطرة المفهوم الأميركي على الاستهلاك، قد انتهت، وأعتذر في هذا من الكاتب الكبير تركي الحمد، وتأملاته الهادئة الشاملة، ومن داعية العولمة المتمادي في التفاؤل، الكاتب توماس فريدمان.

وقد توقفت منذ فترة عن متابعة المستر فريدمان، علماً بأنني لم أكن مرة مدمنا على قراءته كما كنت مدمنا بنهم على متابعة كبار الكتاب، الذين عرفناهم في «الهيرالد تريبيون» بدءاً من والتر ليبمان إلى جيمس رستون إلى ارت باكوالد إلى أنطوني لويس إلى فلورا لويس إلى عدد غير قليل من صحافيي المرحلة التي بدأت، بالنسبة إليَّ كقارئ، العام 1960 في مطعم «الانكل سام».

عندما بدأ المستر فريدمان في الظهور معلقا رئيسيا في «النيويورك تايمس» (صاحبة «الهيرالد تريبيون») حاول أن يكون مزيجاً من رستون وباكوالد ومتناسبا مع المرحلة. وأنا من الجيل الذي تعلم أن يقرأ رستون في صفحة الرأي وباكوالد في سياحته العقلية الخفيفة. ومع ذلك لم أستطع إلا أن ألاحظ مهارة فريدمان في العزف على إيقاعات الجيل الاميركي الجديد. فهو «حاطب نهار» غير ضجر، يسافر ومعه حقيبة كبرى ويعود وقد ملأها بكل ما طالت مشاهداته السطحية التي لا تدعو إلى الكثير من التفكير والقلق.

ولذلك بدا عالم فريدمان ساحراً، بل فانتازياً أحيانا، وكأن رئيس تحريره والت ديزني. ولم يعد في هذا العالم قضية مستحيلة، لأن كل شيء على وشك الحال، كما أبلغه «أصدقاؤه». وهم في كل مكان. من ايهود باراك إلى شمعون بيريز إلى سكان البنتاغون والبيت الأبيض والستيت ديبارتمنت. وجميعهم بالاسم الأول: هالو توم، هالو مادلين، هالو كوندي.

مؤسف هذا الذي حل بعمولة العزيز توم، كما حل بعالم العزيز هنري من قبل. صحيح أن سيارة اللكسوس (عنوان أحد كتبه) تزداد ازدهارا وتطورا، ولكن شجرة الزيتون تزداد حياء وخباء. المكان الوحيد الذي تخصب فيه هو حديقتي. وهي أصغر من أن يشعر أحد بوجودها.