فلا الشبان مرضى دائماً ولا نحن العقلاء أبداً!

TT

حب الاستطلاع عند الإنسان غريزة، فهو يريد أن يعرف وأن يحلل وأن ينظر.. أي يضع نظرية لما لاحظ وفكر.

فالعلم هو أداة في يد الإنسان يغير به ما حوله ويطوره، فالعلم قال لنا: إن الشمس هي مصدر النور والنار، ولذلك يجب أن يتقيها الإنسان بالهروب إلى الكهف.. ثم بناء البيت ثم بصناعة التهوية.. وعندما تغيب الشمس يكون ظلام، فاخترع الإنسان المصباح المضيء، لكي يصبح النهار أطول. ولما كانت الأرض واسعة ووعرة، والمساحات بعيدة اخترع الإنسان وسائل المواصلات براً وبحراً وجواً.. والاتصالات السلكية واللاسلكية.. وبدلا من أن يعيش الإنسان على الحيوانات والنباتات عاش على بعض الحيوانات وبعض النباتات، وراح يصنع الطعام أشكالا وألوانا..

فهذا هو الإبداع.. أي: أنه من أشياء موجودة صنع لنفسه أشياء لم تكن موجودة، أي: من المواد الموجودة حوله صنع أشكالا وأحجاما وألوانا من أدوات الحياة.. أما المادة كلها فموجودة، وأما الشكل فهو الذي لم يكن موجوداً.. ومن أجل أن تكون هناك طائرة.. كان لا بد أن يبدع ما لا نهاية له من المعادن والزجاج والجلد والخشب والأسلاك والعقول الإلكترونية. ومهما كان العقل مسيطراً، فليست كل سلوكيات الإنسان عاقلة..

والإنسان في حالة صراع دائم بين شعوره ولا شعوره.. بين عقله وغرائزه.. بين المنطق والأهواء.. والأكبر سنا وثقافة وتجربة أكثر قدرة على التحكم في غرائزهم..

فالحضارة الإنسانية هي عبارة عن وضع «فرامل» على كل هذه القوة اللاشعورية.. فالطفل الصغير يضع كل شيء في فمه.. ونحن نتركه أول الأمر.. وبعد ذلك نحذره ونعلمه خوفاً عليه.. فهو لا يعرف إلا الطعام وإلا الرضاعة.. وإلا البكاء وإلا التبول لا شعورياً، ونظل نضع له الضوابط على سلوكياته.. حتى ينتقل من المرحلة الحيوانية إلى المرحلة الإنسانية. والإنسان هو صاحب أطول طفولة بين كل الحيوانات ولا يزال الشباب أكثر إحساسا وحساسية بكل هذه الفوارق والتناقضات في حياتنا.. وأكثر تعرضاً للصراع.. وأكثر استجابة لها، ولذلك كانت ردود الفعل سريعة والقبول والرفض سريعاً.

ولذلك كانت الفوارق بين الأجيال أكثر حدة وشدة.. حب السلام بين الأجيال.. حب الرخاء والرفاهية للأجيال القادمة التي لا نعرفها ولم نرها.. ولكن هذا هو الهدف الأسمى من أجل الانسجام الاجتماعي والتوافق النفسي والأبهة المطبقة، وكلها شروط الانطلاق إلى المستقبل!