ديوان الحماسة

TT

أحب حكاية الطبعة القديمة لديوان الحماسة، التي أقتنيها وأحافظ عليها في مكتبتي، منذ سنوات تزيد عن العشرين، منذ أهدتها لي الدكتورة مريم الداغستاني، الأستاذة بالأزهر، ولم يكن هناك مبرر لكرمها سوى أنها كريمة. وديوان الحماسة هو ما اختاره أبو تمام حبيب بن أوس الطائي من أشعار العرب. الطبعة لصاحب المكتبة الأزهرية محمد سعيد الرافعي، أصدرها سنة 1331/1913، أي منذ 95 عاما أوشكت أن تتم قرنا، وتمتاز بتراجم الشعراء، وذكر سبب الشعر «مع زيادة تهذيب وتنقيح..». الطبعة من جزءين: الجزء الأول 466 صفحة، ويشمل: باب الحماسة، وباب المراثي. والجزء الثاني 624 صفحة ويشمل أبواب: الأدب والنسيب والهجاء والأضياف والمديح والسير والنعاس والملح ـ بالضمة على الميم ـ ثم بالنهاية باب صغير عنوانه: باب مذمة النساء!

يقول الناشر، صاحب المكتبة الأزهرية، وهو الشارح والمعلق نفسه: «.. ما روي من شعر العرب كثير لا يحاط به وإن قصر عليه العمر، فكانت الحاجة ماسة إلى مجموع يقام منها مقام الخلاصة، ولم نجد من ذلك أحسن ولا أوفى من كتاب الحماسة، الذي اختاره ملك الكلام أبو تمام، فقد كان للرجل من المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره، وقيل إنه كان يحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقطوعات.. وعدا أنه (أي أبو تمام) شاعر بصير بمحاسن الكلام وعيون النظام، خبير بالنقد ومطلع بهذا الفن، ولهذا عد جميع الأدباء كتاب الحماسة المذكور أفضل كتاب مجموع من شعر العرب..».

الذي بهرني في هذه الطبعة من ديوان الحماسة، التي تزيد على 800 صفحة، أنها تخلو من الأخطاء المطبعية، وكلها نصوص من الشعر المضبوط بالتشكيل، والذي حاول إخراج الكتب المضبوطة بالتشكيل هذه الأيام ونحن في عصر الكومبيوتر والجمع المتقدم يدرك العناء الرهيب الذي يصيب المراجع عند تصحيح الأخطاء، حتى أن الناشر الحديث يكاد يفضل إلغاء الضبط بالتشكيل لكي لا يفتح على نفسه بابا من طوفان الأخطاء.

من أطرف أبواب الديوان باب «مذمة النساء»، وهو باب غير طويل ولا عريض في الشعر العربي ولا يشغل من الديوان سوى 11 صفحة فحسب، ولولا طرافته وما يثيره من ضحك لكانت صوره في التنفير من المرأة قسوة بالغة، والعزاء في حقيقة أن باب النسيب المتغزل في النساء بلغ 113 صفحة، ولا شك أن النظرة الموضوعية تجعلنا نرى عناء هذا الإعرابي الذي كان قد تزوج من امرأة أرهقته إرهاقا شديدا، فقيل له إن هناك حمَى بدمشق سريعة في موت النساء فحملها إليها وأنشد:

دمشق خذيها واعلمي أن ليلة تمر بعودي نعشها ليلة القدر!

وقال آخر في امرأة طلقها:

«لو لم أرح بفراقها.. لأرحت نفسي بالإباق

وخصيت نفسي لا أريد حليلة حتى التلاق»

وقال غيره:

ألام على بغضي لما بين حية وضبع وتمساح تغشاك من بحر

تحاكي نعيما زال في قبح وجهها وصفحتها لما بدت سطوة الدهر حديث كقلع الضرس أو نتف شارب وغنج كحطم الأنف عيل به صبري وتفتر عن قلح عدمت حديثها وعن جبلي طيٍ وعن هرمي مصر!

والمعنى أنه يتعجب من لومه على بغضه شبيهة الحية والضبع والتمساح، التي تماثل قبح زوال النعمة، والتي يأتي حديثها كالمصائب المجتمعة مؤلما كقلع الضرس أو نتف الشارب. أما دلالها فمثل كسر الأنف إذ حين تبتسم يبدو اصفرار أسنانها وجنبا فمها في حجم جبلي طي أو هرمي مصر!

ويلزم هنا التنويه أن كل واحد من شعراء هذا الباب حرص على عدم ذكر اسمه!