انتصار المورمون غير المريح

TT

من الواضح أننا نشهد حالياً تحول كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة إلى قوة سياسية كبيرة. والملاحظ أنه في العام السابق، تقلد الكثير من أبناء طائفة المورمون بعض أعلى المناصب داخل الولايات المتحدة، مثل هاري ريد، زعيم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، وميت رومني، الحاكم السابق لولاية ماساتشوسيتس. أما العام الحالي، فقد تواترت الأنباء حول أنه بتشجيع من قياداتهم الدينية، تبرع المورمون بالكثير من الأموال وساعات العمل التطوعي من أجل تمرير قانون المقترح الثامن في كاليفورنيا، والذي يحظر زواج المثليين داخل الولاية.

ويمكن القول إن المورمون كانوا أكثر القوى التي وقفت وراء تمرير هذا القانون تنظيماً وأهمية. إلا أنه في مواجهة مظاهرات الاعتراض التي اندلعت خارج أسوارها بعد الانتخابات، لا يبدو أن الكنيسة ستحاول نسب الكثير من الفضل لنفسها على هذا الصعيد.

من جهته، أعرب مايكل أوترسون، المتحدث الرسمي باسم كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة خلال تصريحات أدلى بها لوكالة «أسوشيتد برس»، عن «دهشته» من التظاهرات التي تستهدف طائفة المرمون. وقال: «لقد كان ذلك ائتلاف واسع النطاق للغاية دافع عن مؤسسة الزواج التقليدية في انتخابات حرة وديمقراطية. ومن المثير للقلق أن يركز المتظاهرون على كنيسة المورمون تحديداً». يذكر أنه كان هناك الكثير من أعضاء طائفة المورمون قاوموا بشدة إقرار هذا المقترح، الأمر الذي لفت الانتباه إلى حجم مشاركة الطائفة في القضية برمتها نتيجة كشفهم النقاب عن أقرانهم المورمون ممن توجد أسماؤهم على قوائم المتبرعين.

ويشعر بعض المورمون بالاستياء لدرجة أنهم يفكرون بشأن التخلي عن عضوية الكنيسة، وكذلك عن المورمون الآخرين الذين ساندوا بقوة المبادرة الجديدة. بيد أن هناك فريقا ثالثا من المورمون قدموا الأموال تنفيذاً لأوامر قادتهم فحسب، من دون أن يمعنوا النظر في السياسة التي سيجري استغلال تلك الأموال في دعمها.

وبغض النظر عن أي من المواقف السابقة اتخذها أبناء الطائفة، فإن الكثيرين منهم يشعرون بعدم ارتياح إزاء كل هذه الأضواء التي تسلطت على الطائفة، مثلما أشار أوترسون.

في الواقع، من غير المألوف أن تحاول مؤسسة ما تجنب نسب المسؤولية لها عن نصر تم إحرازه عبر صناديق الاقتراع، لكن الواضح أن الانتماء إلى المورمون يختلف عن الانتماء إلى أي طائفة أخرى كالمعمدانيين الجنوبيين، على سبيل المثال.

ويرجع ذلك إلى أن الطابع المركزي الشديد الذي تتسم به كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة يثير قلق الكثير من الأميركيين. وقد تركت الكنيسة هذا التأثير العام في نفوس الأميركيين منذ إنشاء الحركة على يد جوزيف سميث، والتي تعرضت للطرد من ولاية لأخرى حتى استقر بها المقام بمنطقة سولت ليك فالي.

وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة باعتبارها مؤسسة دينية ذات كفاءة تستلزم من أعضائها قدرا غير عادي من الإخلاص، يرى آخرون فيها مؤامرة، بل طائفة متطرفة. وتعود جذور هذا الانطباع إلى عدة أمور بينها سماح الكنيسة بتعدد الزوجات في القرن التاسع عشر. يعتبر غير المورمون كنيسة قديسي الأيام الأخيرة كياناً شاذاً عن التيار الرئيسي في المجتمع الأميركي. وعلى الجانب الآخر، يشعر المورمون أنهم يتعرضون للهجوم، ما يعزز روح الطائفية لديهم ويدفعهم لتجنب الدخول في مواجهات مع آخرين. وفي هذا الإطار، يمكن تفهم محاولات أوترسون التقليل من أهمية الدور الذي اضطلع به أتباع الكنيسة في الانتصار الانتخابي للمقترح الثامن في مواجهة حشود المتظاهرين على أبواب الكنيسة. ويدفع هذا الحدث الجديد الكثير من المورمون نحو منطقة خطر، فرغم أن بعض الأفراد المتطرفين المناهضين بقوة للمورمون نظموا على مدار سنوات عديدة تظاهرات أمام الكنائس التابعة للطائفة، في الوقت الذي ساد فيه التوتر دوماً العلاقات بين الكنيسة والمثليين، فإن كنيسة قديسي الأيام الأخيرة باتت الآن محط اهتمام قطاع واسع ومنظم من الأميركيين، تتعاطف معه دوائر واسعة من مختلف أنحاء البلاد. وفي الوقت الحاضر، يجري تنظيم مقاطعة بعض المصالح التجارية التي يملكها المورمون. وقد وجه أحد سكان كاليفورنيا شتائم نابية إلى المورمون عامة من خلال لافتات علقها على شرفة منزله.

ويفرض مثل هذا القدر الكبير من الاهتمام على الكنيسة وأتباعها ضرورة اتخاذ قرارات مهمة. ولا شك أنهم أدركوا ما يمكن لهذه المؤسسة تحقيقه ـ وطبيعة ردود الأفعال التي قد تستثيرها ـ داخل العالم السياسي الأميركي الصعب.

وبعد تمرير المقترح الثامن، من المحتمل أن يتزايد الإعجاب بالكنيسة في صفوف العناصر الدينية المحافظة، والتي سبق أن أبدى بعضها عداءً شديداً تجاه طائفة المورمون. وبالنسبة لهذه العناصر، فإن التصويت الأهم الذي شهدته الفترة الماضية كان على المقترح الثامن، وليس باراك أوباما.

وبمقدور كنيسة قديسي الأيام الأخيرة، التي يمكنها تعبئة أتباعها بمجرد كلمة تصدر عن سولت ليك، التحول الآن إلى عنصر بارز في الحروب الثقافية التي تدور رحاها في الولايات المتحدة. ولا شك أننا سنشهد اشتعال المزيد من الحروب حول زواج المثليين داخل مختلف الولايات. ومن بين التساؤلات التي تفرض نفسها الآن: هل ستطلب الكنيسة من المورمون التبرع بمزيد من الأموال؟ وهل سيستجيبون بنفس الحماس الذي أبدوه المرة السابقة؟ المؤكد أنه إذا ما اختارت الكنيسة المضي قدماً في استعراض عضلاتها السياسية، لا يمكنها توقع أن تفلت من الانتقادات، التي سيكون بعضها لاذعا للغاية.

وحتى حال اختيارها المسار المقابل ـ أي الانسحاب من المشهد السياسي، مثلما سبق أن فعلت في أعقاب غزوات سياسية سابقة قامت بها ـ من المحتمل أن تبقى مشاعر الغضب إزاءها جراء تمرير المقترح الثامن متأججة لبعض الوقت. وحال خوض مات رومني مجدداً التنافس من أجل الوصول إلى الرئاسة، فإن الأميركيين قد يثيرون حينها بقوة مسألة ما إذا كان سيعمل كدمية في يد سولت ليك سيتي أثناء وجوده في المكتب البيضاوي. وبالنظر إلى كل الأحاديث القديمة الدائرة حول المورمون ـ من أنهم متكتمين وأثرياء وتقليديين بدرجة مفرطة ويتبعون آراء دينية شاذة ـ سيكون من الصعب أن تبقى الكنيسة خارج دائرة الضوء السياسية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»