حوار مع مدبولي أمام «عمارة يعقوبيان»!

TT

كيف نجح الحاج مدبولي بائع الصحف الجوال، الذي بدأ بكشك صغير في ميدان طلعت حرب بالقاهرة في تأسيس أشهر دار نشر عربية؟! ولماذا غدت مكتبته في وسط البلد مزارا من مزارات القاهرة؟! وكيف تمكن هذا الرجل البسيط الذي لم يلتحق قط بأية مدرسة نظامية على الإطلاق أن يتعامل مع روائع الكتب في الفكر والفلسفة والسياسة والأدب وغيرها؟!

أسئلة كثيرة تطرح اليوم في وداع مدبولي، وفي تقديري أن أهم عوامل نجاح الرجل أنه لم يحول دار النشر الخاصة به إلى ما يحبه مدبولي، فمائدة مدبولي الثقافية ظلت تتسع للجميع، فالرجل رغم ناصريته ـ كمثال ـ فتح رفوف مكتبته لمختلف الكتب التي لها رؤيتها المضادة لتجربة عبد الناصر، فلقد استطاع تحرير ذاته من قيود أحادية الرأي والفكر والتوجه، فانعكس ذلك على مشروعه الثقافي، وأحبه الناس، ووثق فيه المثقفون.

يعلل نزار قباني حب الناس لمدبولي بقوله: «نحن نحب مدبولي لأنه تعامل مع الكتاب كإنسان»، وكان نزار دقيقا جدا في توصيف تلك العلاقة الحميمة بين مدبولي والكتاب، وما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي جئت فيه لمكتبة مدبولي لأتزود منها ببعض الكتب الجديدة، وحينما هممت بالانصراف تناول الحاج مدبولي الطبعة الأولى التي صدرت لتوها من رواية لمؤلف لم أسمع به حتى تلك اللحظة، وهو يقول:

ـ خذ رواية عمارة يعقوبيان ستعجبك كثيرا.

ـ ولكنني لم أسمع بالروائي علاء الأسواني من قبل..

ـ خذها وستسمع باسم هذا الروائي بعد ذلك كثيرا!

وفي غرفتي بالفندق رحت أقلب الرواية، ولم أستطع أن أغادرها إلا حينما انتهيت من صفحتها الأخيرة.. وفي اليوم التالي راح يقص علي مدبولي حكاية الروائي الطبيب علاء الأسواني «الذي جاء يطل فغلب الكل»، وقد تحققت فراسة مدبولي، إذ أثبتت الأيام أن رواية «عمارة يعقوبيان» للأسواني هي الرواية الأكثر مبيعا في تاريخ الرواية المصرية.

لقد أقام هذا الرجل البسيط الذي تعلم في مدرسة الحياة علاقة عشق مع الكتاب، فهو لم يكن قط مجرد تاجر، بل كان صاحب رسالة تنويرية اضطلع بأعبائها حينما وهنت كواهل المثقفين عن تحقيقها.. رحم الله الحاج مدبولي.

[email protected]