وقت يناسب رئيسا متعقلا

TT

عندما بدأت في تغطية شؤون البيت الأبيض منذ ما يزيد على 50 عاماً، كانت لدي قناعة بأنه كلما زاد مستوى ذكاء الرئيس، كان وضعه أفضل. لكن، فيما بعد اتضح أن ذلك اعتقاد خاطئ. وعلى سبيل المثال، نجد أنه رغم أن كلا من ليندون جونسون ورونالد ريغان لم يكونا مفكرين، فإنهما تفهما حقيقة القوة التي يحملها منصب الرئيس وبرعا في فرض أجندتهما على الشركاء والخصوم السياسيين. وفي المقابل، نجد أن جيمي كارتر تميز بالعبقرية في تحليل السياسات، بينما تمتع بيل كلينتون بالقدرة على إدراك الروابط بين مختلف القضايا بصورة بديهية. ومع ذلك، غادر كلاهما البيت الأبيض بدون تحقيق إنجازات كبرى. وعليه، ظللت أؤكد على امتداد سنوات عديدة أن هناك خصالا أهم بكثير من القدرات العقلية تضمن نجاح الرئيس، منها الثقة بالنفس وحب الاستطلاع والقدرة على اكتشاف المواهب والتواصل مع الآخرين والميل إلى التعاون.

ومع أنني لست على استعداد بعد للتخلي عن وجهة النظر تلك، شعرت أن بلادنا محظوظة، في هذا الوقت تحديداً، بأن يكون الرئيس المنتخب شخص فائق الذكاء مثل باراك أوباما، خاصة أنه مع كل يوم يمر، يتضح أنه حتى أكثر المديرين الأميركيين المعنيين بالمجال الاقتصادي ذكاءً وحنكة يكابدون من أجل سبر أغوار ـ وإصلاح ـ المشكلات التي ألمت بأسواقنا.

ومن جانبي، أحاول متابعة المناقشات الجارية على صفحات الجرائد وببرنامج «نيوز أور»، الذي يقدمه جيم ليرر، والبرامج التلفزيونية الجادة الأخرى التي تتناول آخر الإجراءات التي اتخذها مجلس إدارة المصرف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة ـ وتتملكني الحيرة في نهاية الأمر.

تصيبني الأرقام التي تُذكر بالدوار، أما الألفاظ المستخدمة فغير مألوفة، ويكتنف الغموض التجربة بأكملها لدرجة جعلتني عاجزاً عن تحديد ما إذا كان برنانكي وبولسون ومعاونوهم يسيطرون على الموقف، أم أنهم يزيدون الأمر سوءا بدون قصد.

ولا شك أنني أشعر بالخجل من هذا الاعتراف، ذلك أنني أتقاضى راتبي من أجل تغطية الشؤون الحكومية، وتعد الأزمة الحالية أخطر تحد تجابهه واشنطن على الإطلاق. لكنني أعتمد كلية على آخرين في فك شيفرة هذا اللغز.

أما أوباما، فلا يبدو مقيداً بنفس الصورة، فحتى في ذروة الانفعال العاطفي بنصره الانتخابي، وتحت وطأة ضغوط اختيار أعضاء إدارته، توحي كل المؤشرات بتمكنه من التركيز على الخيارات القائمة على الساحة الاقتصادية.

وفي الواقع، تحدثت إلى عضوين في الكونغرس يتحملان مسؤوليات كبرى بالمجال الاقتصادي وعلى صلة بفريق العمل الانتقالي المعاون لأوباما، وقد أخبراني أن أوباما طلب منهما إمداده بمعلومات، وأشارا إلى أن نوعية الأسئلة التي طرحها أوباما وتعقيباته تكشف عمق معرفته بالوضع القائم.

ومع أن أوباما لم يتعرض لاختبارات قوية خلال المؤتمرات الصحافية التي عقدها حتى الآن، فإن قدرته على الاستجابة للتساؤلات التي طُرحت عليه وعرض وجهات نظره بأسلوب متسق ومتزن وتجنبه الإدلاء بأي بيانات كاذبة تعد بالتأكيد أمراً جديراً بالإعجاب.

كما أن التعيينات التي أقرها بالنسبة لفريق العمل الاقتصادي المعاون له مبهرة، وجاءت تقريباً جميع ردود الأفعال تجاهها من مختلف الجهات بدءا بالكونغرس ووصولاً إلى وول ستريت إيجابية. بيد أن ما يبعث على الطمأنينة ليس أعضاء فريق العمل القادم في البيت الأبيض والقيادات الحكومية فحسب، وإنما أوباما نفسه.

والواضح أن أوباما يتعامل خلال الفترة الانتقالية بنفس الثقة التي أبداها على امتداد فترة الحملة الانتخابية الطويلة. ويبدو وراء مظهره الهادئ عقل قادر على استيعاب أكثر الخيارات السياسية تعقيداً. ورغم ثقتي بأن الأسابيع والشهور القادمة ستشهد تطورات تزعزع هذه الثقة، وقرارات ربما يندم عليها أوباما نفسه، فإنه بالنسبة لدولة تواجه أزمة، علينا أن نثني على مستوى الأداء الذي أبداه رئيسنا المنتخب حتى هذه اللحظة، وعلى العقل الذي يعمل نيابة عن البلاد.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»