جدل المصافحة

TT

جدل كبير لم يهدأ بعد واستجوابات برلمانية، ومنتقدون يستخدمون اشد العبارات، ومدافعون يستغربون كل هذه الضجة، والواقعة هي ان شيخ الازهر صافح الرئيس الاسرائيلي في اجتماع حوار اتباع الديانات والحضارات والثقافات في الأمم المتحدة.

مثل هذا الجدل هو احتكار او ابتكار خاص بالمنطقة العربية، بينما لا أحد يتوقف في بقية ارجاء الارض، ولا حتى في الدول الاسلامية غير العربية عند مصافحة، فهي مسألة لياقة وتهذيب طالما ان اطرافا كانت في مكان واجتماع واحد، وقد لا تعني شيئا على صعيد المواقف السياسية، ولنتصور ماذا كان يمكن ان يقال دوليا عن الرجل وعن الاسلام والمؤسسة الدينية التي يمثلها في اجتماع حضره العالم كله لو مد الرئيس الاسرائيلي يده لمصافحته ورفض شيخ الازهر.

فالاجتماع هو اطار عالمي لحوار الاديان وشعاره ثقافة السلام والتسامح وهي كلها اشياء تبنتها دول عربية واسلامية في مواجهة حملات وهجمات اشتدت بعد هجمات 11 سبتمبر تحاول تصوير المسلمين على انهم متعطشون للدماء ويهوون العنف بعد ان قدمت مجموعات من صغار العقول في مجتمعات اسلامية الوقود اللازم لاشعال هذه الحملات.

وقد تكون بعض ردود الفعل التي حدثت في مجال الرد على النقد انفعالية، لكن شيخ الازهر محق في موقفه، وفي مواقفه السابقة ازاء محاولات سابقة لتسييسه لاستخراج فتاوى منه في مواقف سياسية معينة، وهو ما لا يجب ان يكون لان السياسة ليس لها ثوابتها وهي تسير حسب بوصلة المصالح بين الأمم، بينما الدين له ثوابته، كما انه ليس في مصلحة اضفاء صبغة دينية على مواقف سياسية لان هذا اتجاه لا احد يعرف اين ينتهي مثلما رأينا في تجارب ومجتمعات اخرى انتهى بها هذا الطريق الى تشتت وحروب اهلية.

مع ذلك فإن هذا الجدل الذي ثار وهو ليس جديدا لان له سوابق كثيرة في وقائع وشخصيات اخرى يمكن فهمه في اطار تراث طويل في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي وحتى في قضايا مواجهات مع اطراف وقوى اخرى كانت تركز على الشكليات اكثر من المضمون مثل قضية التفاوض المباشر على طاولة واحدة.

وهو امر مفهوم في مرحلة حرب ودوي مدافع ولكنه غير مفهوم في مرحلة كل الاطراف بما فيها الاطراف الناقدة تقر بان الطريق الى الامام هو بالتفاوض للوصول الى حالة سلام شامل وعادل ينهي الاستنزاف المعنوي والسياسي والاقتصادي الذي جعل منطقة حيوية مثل هذه لديها طاقاتها البشرية والطبيعية لا تأخذ حقها الطبيعي في سلم التنمية العالمية مقارنة بمناطق جغرافية اخرى.

فالتفاوض والحديث لا يعني التنازل عن حقوق او مواقف لا يريد اصحابها التنازل عنها، الا لو كان هناك شعور بعقدة نقص أو عدم ثقة في النفس، والاطراف المتصالحة لا تحتاج الى تفاوض او حوار بقدر ما تحتاج اليه الاطراف التي هي في حالة صراع.

a.ibrahim@ asharqalawsat.com