الحياة بعد وزارة الخارجية

TT

ترتدي، كما هي عادتها، زياً في منتهى الأناقة، وتتحلى بعقد ذهبي يتدلى على بذلة تحمل اللون الأرجواني الداكن الأنيق. كما تبدو في حالة استرخاء، على خلاف سلوكها المعتاد، مع اقتراب عيد الشكر، ويتحول تفكيرها للحياة ما بعد 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

يمكن القول إن كوندوليزا رايس الأكثر انتظاماً داخل هذه المدينة التي يغلب على قاطنيها إدمان العمل بصورة مفرطة. ودائما ما تظهر رايس في صورة المرأة الشابة المثالية القادرة على إسعاد الآخرين وإبهارهم. وطبقاً لتصريحاتها في لقاء أجراه معها ديل روسكوف من صحيفة «واشنطن بوست» عام 2001، فإن والدتها، أنجلينا، نصحتها ذات يوم قائلة: «تذكري دوماً أنك إذا أفرطت في الاهتمام بمظهرك، سيترك ذلك انطباعاً سلبياً عنك لدى الآخرين، أما إذا أهملت مظهرك، فسيترك ذلك انطباعاً سيئاً في نفسك». وبالفعل، حرصت رايس على تطبيق هذه القاعدة في حياتها ـ ونجحت دوماً في السيطرة على دفة شؤونها، وهي سيطرة تعلمتها من ممارستها التزلج على الجليد والعزف على البيانو. إلا أنه في غضون أسابيع قليلة، لن يبقى أمام رايس سوى نفسها لتسعدها، الأمر الذي جعلها تشعر كأنها تنال حريتها مجدداً. ومن المقرر أن تغادر واشنطن فعلياً بعد يوم تنصيب الرئيس الجديد، وسوف تعود للعمل بجامعة ستانفورد. وإذا ما اتصل بها برنامج «ميت ذي برس» (مع الصحافة)، لن تشارك، حيث قالت لي: «ليست لدي رغبة في أن أكون ظل وزيرة خارجية». وبخصوص رغبتها في الرحيل الحقيقي عن واشنطن، ذكرتني رايس بوزير خارجية آخر، وهو دين رسك، الذي تولى المنصب خلال فترة حرب مؤلمة ومثيرة للشقاق. وذات مرة، وصف لي رسك قدر الارتياح الذي شعر به يوم رحيله عن منصبه في يناير 1969، موضحاً أن الأمر بدا وكأن أعباء العالم سقطت أخيرا من على كاهله، وبات قادراً على العودة إلى موطنه بولاية جورجيا. ويبدو أن رايس تشعر بسعادة حقيقية إزاء تولي باراك أوباما الرئاسة كأول رئيس أميركي من أصول أفريقية. وبلغ حد انضباطها في حياتها الخاصة أنها كانت نائمة في الساعة الحادية عشرة مساء يوم الانتخابات، عندما أعلن عن فوزه. لكنها علقت على انتخابه بقولها: «إنه الدليل الأقوى حتى يومنا هذا على أن أميركا تجسد بحق ما تدعيه. وهو تذكير بأن أميركا يتعين عليها التغلب على الكثير من العقبات للوصول لهدفها المنشود». وتقول رايس: «لقد كانوا يؤمنون بقدرة التعليم على التغيير». وفي هذا الصدد ـ التعليم والحلم الأميركي ـ تعبر رايس المتفائلة إلى حد الجنون في بعض الأحيان عن قلقها، حيث تتابع حديثها واصفة مستقبل أميركا، التي فقدت أسطورتها الموحدة بين الحراك الاجتماعي وتحقيق النجاح، بالإضافة إلى ثقتها بذاتها، قائلة: «ما لم نكن قادرين على إعداد الطلاب للقرن الواحد والعشرين، فسنجد أن علينا التركيز على مشاكلنا الداخلية». ولدى الحديث عن أوباما، وما وصفته بأنه «استمرارية الخبرة الأميركية الأفريقية»، ارتسمت بسمة على وجهها. وتذكرت كيف أن والدها صادق وأيد الناشط الراديكالي ستوكلي كارميتشل، وعن دعوته له إلى منزله، وكيف أن الأشخاص هاجموها كما هاجموا أوباما، لمعرفتها العارضة بشخص مناصر للشيوعيين. وهي تعلم جيدًا أنها نجمة كبيرة في الوقت الحالي، لا يمكنها أن تمر بمتجر للبقالة للتسوق دون أن تسترعى الانتباه. وتخطط لأن تستغل تلك النجومية في التعليم، إذ تقول: «إنني محاضرة أنتهج السبل غير المباشرة». أما الكتاب الآخر لرايس، فسيتناول السياسة الخارجية، ومن الممكن أن يستغرق قدرًا أكبر من الوقت. وتقول عنه: «إنه من النوع الذي يحتاج لبعض الوقت».

آخر الأخبار بخصوص الشأن الإيراني: خططت إدارة بوش من قبل للإعلان عن افتتاح ممثلية دبلوماسية في طهران هذا الشهر. لن يحدث هذا في الوقت الحالي، ويشير هذا الخبر إلى العلاقات الضعيفة بين الولايات المتحدة وإيران. وتأجل الموعد المحدد من قبل في سبتمبر (أيلول) بسبب الاجتياح الروسي لجورجيا. إلا أن المقترح عادَ للتردد من جديد منذ أسابيع قليلة ماضية، وذلك بعد المخاوف التي اعترت الإدارة الأميركية بسبب إقحام إيران لنفسها في المفاوضات التي تتم مع الجانب العراقي بشأن اتفاقية وضع القوات. وبدا أن هذا التوقيت غير مناسب للانفتاح على إيران في ظل تحذير الحلفاء من العرب السنة بأن هذا التوقيت قد يُنظر إليه على أنه تنازل. وبناءً عليه، سيتم تسليم ملف قضية العلاقات الأميركية ـ الإيرانية إلى إدارة أوباما. وفي هذا الشأن، يقول أحد المسؤولين بالإدارة: «لقد نفد الوقت». ومن الواضح أن هذه القضية من أكثر الأمور المحبطة، والخطرة غير المنجزة التي سترثها الإدارة الجديدة.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»