بغالنا وبغالهم

TT

في قراءاتي عن الحياة الاجتماعية في العراق إبان العهد الملكي، وجدت هذا التقرير الموجه لأمين العاصمة الجديد (فائق شاكر) سنة 1946، وسوف انقله لكم حرفياً، وجاء فيه:

من الطبيب البيطري بأمانة العاصمة إلى أمين العاصمة المحترم.

مساء البارحة، وبعد غروب الشمس بقليل، قام البغل الأسود رقم (73) بممازحة رفيقه الحمار الأبيض رقم (201) المربوط بجانبه في الاصطبل الواقع بالنزيزة مال الشيخ عمر، وقد أدى هذا المزاح ـ على غير عادتهم كل يوم ـ، للأسف إلى صراع بينهما.

حيث أن البغل استدار للخلف وأخذ يرمح الحمار بحوافر أقدامه بضربات متعاقبة كادت أن تفشخ رأسه.

مما دفع زميله الحمار إلى أن يخرج عن جادة الصواب ويملخ البغل بعضة قوية شلعت وصلة من كتفه الأيمن، عندها تدخل السايس (جبار العور) لفض الاشتباك بينهما، فأتته ضربة غير مقصودة ببطنه، وأنطرح على الفشقى يتلوى من شدة الألم.

وقد ادخل المصابان في المستشفى البيطري والدماء تسيل منهما وذلك بموجب ورقة الفحص الطبي رقم 93 في 25/9/1946، أما السايس فقد قام بعدها بسلامات بعد أن رششنا عليه الماء.

وجاء الرد التالي من أمين العاصمة على هذا التقرير وفيه ما يلي:

أولاً: الحمد لله على سلامة السايس جبار العور.

ثانياً: يغرم البغل والحمار بقطع (العلف) عنهما لمدة ثلاثة أيام، حتى يتأدبا من الآن فصاعداً، ويكونا عبرة لغيرهما من الحيوانات، وليفهم كل من تسول له نفسه (بالخربطة) أن الحكومة ساهرة وفاكة عينها على الصغيرة والكبيرة.

ثالثاً: يمنع الشقة (المزاح) بين الحيوانات بالشغل وأثناء الراحة منعاً باتاً بأمري، وتعلق قطعة بذلك في الإسطبل.

رابعاً: يربط الطبيب البيطري بين الحمار والبغل حتى إشعار آخر، حتى يتأكد الطبيب ـ وهو الأب المسؤول عن أبنائه ـ أن البغل والحمار قد صفت قلباهما، وما بقي بينهما عداوة قد تؤدي للكتل والمكتول.

خامساً: على مدير الإدارة بأمانة العاصمة أن يبرق لمعالي وزير الداخلية لرغبتي بالانتقال فوراً من وظيفتي كأمين للعاصمة لأية وظيفة أخرى، لأن ما عندي خلق للحمير والبغال.

وبما أن مقالنا اليوم كله (حيواني) فلا بأس أن اذكر لكم عن وثيقة تحمل توقيع اكبر مسؤول في جامعة (بيل) بلوس انجلوس، وتحمل في طياتها منح شهادة (الدكتوراه) الفخرية للبغل (الوودبلوز) وعمره عشر سنوات، وقد جرى احتفال رسمي بذلك، وقد جاء في الشهادة: «لقد نقل هذا البغل بكل كفاءة كميات من الصخور لفريق (الجيولوجيين) في الجامعة، ولم يتأخر ولم يتذمر يوماً، وهو قد ساهم مساهمة فعالة في الاكتشافات التي توصلنا إليها».

وهذا هو الفرق بين بغالهم وبغالنا، بغالهم تكرم وتأخذ الشهادات، وبغالنا تضرب بالعصا، فتتلبسها العفاريت فتأخذ تتعارك وتترافس وتتناهق.

ولا أريد أن أقول: كل إناء بما فيه ينضح، ولكنني في الختام اهدي التحية لبعض الدكاتره في بلادنا العربية.