طوق الحمامة لابن بهاء الدين

TT

اصطدم الصحافيون بالرقيب في مراحل مختلفة وعلى درجات مختلفة. واختار البعض التحايل على الرقيب والتذاكي عليه. وفي ذلك قصص وطرائف كثيرة، أحبها الي أحب كتاب مصر الى نفسي، احمد بهاء الدين. وكيف لرقيب ان يهزم ذلك الماكر الطيب؟ بسببه غيرت الدولة الرقيب تلو الآخر الى ان قرر الرئيس جمال عبد الناصر توكيل الرقابة الى مدير مكتبه نفسه.

وطبعا كان بهاء في انتظاره، ومعه صلاح حافظ. ويروي الداهية الطيب الضاحك انه لدى تعيين الرقيب الجديد لجأ الى ابن حزم في «طوق الحمامة» الذي يدور حول العشق والعشاق وأوهام المحبين. ومن ابوابه باب عنوانه «فصل في الرقيب». ويدور الفصل كله حول سماجة الرقيب وسخافته وتصرفاته الرعناء، إذ يحشر أنفه في كل ما لا يعنيه.

وختم بهاء تعليقه على ذلك بالقول «ولكن الرقيب، رقيب الحب، يزيد الحب اشتعالا لأنه يجعل العشاق يخترعون الحيل والوسائل ليتحايلوا ويضحكوا على سذاجته». ولم ينتبه الرقيب الذكي الى «فصل في الرقيب» لأنه كان مطمئناً الى دماثة ابن حزم وعدم عدائه للثورة.

ولم يكتف بهاء بالمقال في «روز اليوسف» بل أرفقه برسم كاريكاتوري لعبد السميع، أحد أشهر رسامي مصر، ويصور الرسم امرأة تغسل الملابس في «طشت» وفوقها ببغاء يردد: «ينشر، لا ينشر، ينشر، لا ينشر». ونشر «فصل في الرقيب» وكاريكاتور النشر، فضحكت مصر برمتها وكان اكثر الضاحكين جمال عبد الناصر.

ومن طرائف بهاء انه عندما أصبح رئيساً لتحرير جريدة «الشعب» عام 1959 كانت الدولة تخطط لمشاريع كثيرة في التنمية، وهي القضية الأقرب الى قلب بهاء وعقله، فأخذ يكتب سلسلة مقالات في هذا الباب. وأخذت برقيات الاحتجاج والاعتراض تنهال عليه وعلى الصحيفة. ولاحظ أن صاحب عدد من البرقيات يعمل رئيساً لقسم التصحيح في الجريدة التي يرأس مجلس إدارتها الصاغ صلاح سالم. وطلب بهاء من سالم الاجتماع الى المصحح، وهو شيخ فاضل. وبعد بدء اللقاء بقليل بدأ الشيخ الجليل يبكي، فحاول بهاء ان يطيب خاطره، سائلا ما السبب. فقال الرجل ان الدولة تشجع على الكفر إذ تحاول التدخل في عالم الغيب بالتخطيط الذي تدعو اليه. وها هي تتمادى في ذلك بتشجيع من صلاح سالم وبقلم رئيس التحرير! وكان لا بد من جلسات حوار تالية بين رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير من جهة، وبين رئيس قسم التصحيح من جانب آخر. وذلك زمن كانوا فيه جميعا طيبين: المالك ورئيس التحرير والمصحح. وطبعا الرقيب.