الذي أشعل الشمعة من طرفيها

TT

عبد الله عبد الجبار، أديب أشعل الشمعة من طرفيها ليتوهج بأدبين: أدب الخلق، وأدب الإبداع.. حينما تلتقي بذلك الشامخ الشاهق السامق من جيل الرواد بعد توق تشعر أنك أمام إنسان شديد التواضع يجيد إبعاد كرة الحديث عن شباك ذاته، وببراعة خبير نفسي ينقل اهتمامك به إلى اهتمام بذاتك، فيغريك على إطلاق المزيد من فراشات الكلام، ويظل هو صامتا يتأمل نصف أو ربع كوبك الممتلئ.. وتنظر إلى ساعتك وقد أدركك الوقت فتشعر أنك ازددت معرفة بذاتك لكنك لم تعرف المزيد عن الرجل الذي جئت للتعرف عليه!.. فهو يوشك حينما يقترب السؤال عن ذاته أن يردد على مسامعك ما كان يردده الأديب الأمريكي سالنجر على مسامع جمهوره ومعجبيه: «إن كل ما عندي أودعته كتاباتي ولذلك لا أرى فائدة من الحديث الشخصي».. هو واحد من بين ثلاثة أدباء سعوديين بارزين هم الأكثر زهدا في الشهرة في مرحلة من مراحل حياتهم: حمزة شحاتة، حسين سرحان، وعبد الله عبد الجبار، وهي حالات استثنائية جدا لها نظائرها في ساحة الأدب العالمي ممثلة في وليم فولكنر، جون شتاينبك، بيكيت، جان كوكتو، وجوستاف فروبل، ولبعض هؤلاء فلسفتهم الخاصة التي ترى أن الأديب غير موجود خارج إنتاجه، وأن الأهمية فقط للأدب الذي أنتجه، وهي رؤية تتجاوز ما اتفق عليه علماء النفس حول الدافعية إلى الفن وبواعثه.

وقد أسعدني أن زهد هذا الرجل لم يمنع الوطن من تقديره والاحتفاء به كشخصية العام الثقافية في مهرجان «الجنادرية» الواحد والعشرين، ومن أوجه الاحتفاء بالأديب عبد الله عبد الجبار أيضا أن تصدر هذه الأيام عن دار الفرقان للنشر والتوزيع المجموعة الكاملة لأعماله بجهد بحثي كبير بذله اثنان من محبيه هما محمد سعيد طيب، وعبد الله فراج الشريف، في جمع المواد، وتصنيفها، وتوزيعها على سبعة مجلدات، وإن كنت أتمنى أن يتزامن مع صدور هذه المجموعة تخصيص موقع على الإنترنت باسم الأديب عبد الله عبد الجبار يضم مواد هذه المجموعة، ويتيح ـ في هذا الزمن الإلكتروني ـ لمثقفي العالم العربي وأجيالنا الجديدة الإطلاع على إبداعات هذه القمة الشامخة، فالأديب عبد الله عبد الجبار وغيره من جيل الرواد لم تخدمهم قنوات عصرهم الثقافية على الوصول إلى الفضاء الثقافي العربي، ولو قدر أن يتحقق ذلك لكانوا أندادا لغيرهم من أدباء العرب البارزين، وقامات لا تقصر عن قاماتهم.. واليوم في ظل الكثير من التطورات الثقافية والإعلامية التي تشهدها بلادنا حري بنا أن نتيح لإبداعات ذلك الجيل من الرواد حضورا عربيا يعوضهم خذلان قنوات عصرهم، فهم الأصل والجذر والمنبع.

[email protected]