هل يمكن أن يحج عشرون مليونا؟

TT

دائما كان موسم الحج محل تزاحم ولا يزال. التحديات التي تواجه هذه الشعيرة أن عدد المسلمين الراغبين في الحج اكبر من مساحة مكة المكرمة. هناك ألف مليون مسلم، وتوجد مكة واحدة، فمن المحظوظ بالحج، وأقول الحظ لأن الحصول على تأشيرة تدار في بعض الدول عن طريق القرعة، حيث لا توجد وسيلة أخرى لتوزيعها.

وقد واجهت الحكومات الإسلامية هذا المعضلة، مما سبب نزاعا حول من لها الحق في إرسال حجيجها، خاصة بعد إصرار إيران في الثمانينيات على فرض الرقم الذي تريد إرساله. أخيرا، اتفقت وزارات الخارجية للدول الإسلامية على حل عادل فك الاشتباك، اتفقوا على منح ألف تأشيرة حج لكل مليون من كل بلد. فيأتي من اندونيسيا ذات المائتي مليون مسلم مائتا الف حاج، خمسمئة حاج فقط من بلد ذي نصف مليون نسمة.

هذا العام فاضت مكة بنحو ثلاثة ملايين، ما بين حجاج والقائمين على خدمتهم. ومكة، لمن لا يعرفها، مدينة في وسط تضاريس جبلية وعرة، تجعل بناء المزيد من المساكن والطرقات مهمة صعبة ومكلفة. اليوم عدد سكانها يقارب المليون ونصف المليون نسمة، وكان عددهم نصف مليون فقط قبل عشرين عاما، والرقم سيتضاعف سريعا، مع أن أثمان عقاراتها تضاهي أسعار أغلى المدن في العالم مثل نيويورك وطوكيو.

نعود الى حساب فرصة الحجيج، لو اراد كل المسلمين ان يحجوا الى مكة فهذا يعني ان عليهم الانتظار خمسمائة عام حتى يحجوا جميعا. في مائة عام مقبلة لن يحج أكثر من مائتي مليون، خمس المسلمين في الكرة الأرضية وفق الرقم الحالي، وعلينا أن نتذكر أن عدد المسلمين سيصبح ضعف عددهم اليوم في اقل من خمسين عاما. أي أن التحدي أمام الدولة الراعية للحرمين سيتضاعف. إذاً ما هي الخيارات؟

الحل في مضاعفة المساحات عموديا، في مكة والمشاعر، وهذا سيعني بناء ناطحات سحاب بما في ذلك الحرم المكي نفسه، وكذلك في المشاعر، رغم أنها لا تستخدم إلا لأيام معدودة فقط في السنة. الأمر يحتاج الى تصور خيالي، اذا كان المأمول رفع الرقم من مليوني حاج من الخارج الى عشرين مليون حاج، رقم لا تستوعبه أي مدينة بعد في العالم لكنه الرقم الضروري لتمكين الجميع من الحجة الواحدة في العمر. وحتى يصبح المشروع مجزيا ومبررا هذا يعني ان ترفع طاقة المعتمرين طوال العام في مواسم العمرة الى أكثر من خمسين مليونا، وربما ضعف هذا الرقم.

إنها مجرد صور خيالية، ربما خرافية، غير قابلة للتنفيذ لكنها تستحق التفكير. اعرف ان توسعة مكة والمشاعر لثلاثة ملايين حاج اليوم كلفت أرقاما فلكية من الأموال، وصار يمثل الحج أغلى مشروع في الميزانية السعودية. فمكة باتت أكثر مدن العالم إعمارا، فيها 54 نفقا شقت في جبالها، وقبل اشهر ازيحت تلال صخرية ومساكن من اجل توفير مساحات اضافية للحرم. المشروع الحالي سيجعل الحرم اكبر من كل التوسعات التي نفذت على مدى ألف وأربعمائة عام مرة ونصف. وللتذكير فالحج اليوم هو اكبر تجمع بشري في العالم، في مكان واحد، في زمن واحد، ومضاعفة هذا الرقم تحف به كوارث أمنية وصحية.

هذا يعيدنا الى الحل الواقعي الوحيد أمام مخططي مكة، أي توسعة نشاطات العمرة حتى تستوعب عشرين مليون معتمر في السنة أو أكثر، دون بناء إنشاءات ضخمة، بل تطويرها الى صناعة متخصصة تقدم خدمات متكاملة.

[email protected]