الفراعنة في أمريكا

TT

سافرت في نهاية شهر أغسطس الماضي في رحلة إلى لندن وأمريكا للحديث عن الفراعنة، حيث ألقيت محاضرتي الأولى داخل قاعة بها ألف وسبعمائة شخص في قبة الألفية بلندن خارج المدينة، وكانت مفاجأة ليّ أن منظمي المحاضرة باعوا كل المقاعد وبسعر حوالي 15 جنيها إسترلينيا للتذكرة. وكان حضور هذا العدد الكبير السبب في تأخير موعد المحاضرة حوالي نصف الساعة لكي يستطيع المنظمون إدخال كل هذا العدد إلى القاعة التي كان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد ألقى محاضرته فيها أمام نصف هذا العدد من الحضور.. الأمر الذي يؤكد أن الناس بالفعل ملَّت السياسة وإنها لا تزال تعشق الفراعنة والحديث عن آثارهم وحضارة مصر القديمة المليئة بالأسرار والسحر والغموض.

لقد استطاع الفراعنة بحق أن يغزوا هذا العالم الذي تضخم بالتقدم العلمي المذهل في شتى المجالات، ورغم ذلك ما زلنا نتحدث عن أسرار الملك «توت عنخ آمون»، وبناء هرم الملك «خوفو» الذي يعتبر معجزة من معجزات العلم على مر العصور..

وسافرت من لندن إلى أمريكا حيث كانت محطتي هذه المرة مدينة Lake Tahoe وتقع بولاية نيفادا وهي من أجمل المدن التي زرتها وتكاد تكون جزيرة وسط بحيرات، فمن كل جانب هناك بحيرة وكانت هي المكان الذي تم به تصوير الجزء الثاني من فيلم «الأب الروحى».. وبها جمعية ترأسها سيدة ثرية تدعى Nancy Binz مسؤولة عن تطوير التعليم بجامعة المدينة سواء عن طريق زيادة المباني وفتح أقسام جديدة وعمل منح للمتفوقين، أو استقدام أساتذة ومحاضرين في كل مجالات العلم.. والسيدة نانسي عاشقة لمصر وآثارها وقد زارت مصر كثيراً وقدمتني لها السيدة الفاضلة جيهان السادات عندما قررت نانسي أن تزور وادي المومياوات الذهبية منذ أكثر من 12 عاما، والذي كان من أهم الاكتشافات الأثرية التي قمت بها في مصر، واعتبر العالم هذا الكشف بمثابة «توت عنخ آمون» العصر اليوناني الروماني..! فقد حدث أن اتصلت بي السيدة جيهان السادات لتعلمني بزيارة نانسي إلى موقع الحفائر. وعندما علمت نانسي أن هناك منحة دراسية للطلبة المتفوقين باسمي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة قامت على الفور بالتبرع بمبلغ عشرة آلاف دولار لكي تشجع دراسة علم المصريات. وتقوم الجمعية كل عام بدعوة أحد المشاهير لكي يلتقي بالطلاب وأهل المدينة في حلقة مناقشة عامة وبعد ذلك يقوم الزائر بإلقاء محاضرة عامة لأهل المدينة. وعلى مدار الأعوام الماضية تم توجيه الدعوة للعديد من مشاهير السياسيين، والمثقفين المشاهير، لكي يعرضوا خبراتهم وآراءهم ونظرياتهم كل في مجاله. الأمر الذي أثر بالفعل في ثقافة وتوجهات أهل المدينة وعشقهم لكل العلوم.. إن ثقافة التبرع والتطوع من أجل الثقافة والتعليم هو بحق سر من أسرار نجاح أمريكا وتفوقها في مجالات العلم.. أما عن محاضرة الفراعنة التي ألقيتها بالمدينة فقد كانت بمثابة أمسية فرعونية كبيرة لم يجد المنظمون لها بدًّا سوى إقامة خيمة ضخمة لكي تستقبل هذا العدد الكبير من عاشقي مصر الفرعونية وكل ما هو مصري.. وكنت أرى وأنا أعرض على الحاضرين كنوز الفراعنة عيون الجالسين أمامي وقد قاربت على الخروج من مآقيها لروعة فنون الفراعنة.. وهذا يجعلني أقول فعلاً إن الفراعنة يعيشون الآن في أمريكا..

www.guardians.net/hawass