هل لدينا صحافة استقصائية؟

TT

من حين لآخر تعقد ورشات عمل أو ندوات أو ربما دورات تدريب على ما يسمى بالصحافة الاستقصائية.

إنه ذلك التخصص القائم على فضح وكشف انتهاكات وقضايا فساد أو ممارسات على نحو موثق لا يقبل الجدل..

إلى الآن هذا النوع من الصحافة غير متحقق في إعلامنا، خصوصاً إذا كان الأمر يقترب من السياسة أو الأمن أو السلطة.

في ظل التقاليد الإعلامية السائدة في مجتمعاتنا العربية ، هل يمكن الحديث عن صحافة استقصائية وعن تقاليد راسخة في هذا المجال في بلادنا؟

لا شك أن الباحث عن تحقيقات استقصائية في أرشيف وسائل الإعلام والصحف، سينتهي إلى خيبة كبيرة. إذ لا تزال إنجازات من نوع كشف قضايا فساد وتلاعب وانتهاكات على نحو موثق أمرأً غير راسخ في ممارستنا لمهنة الصحافة والإعلام.

هناك محاولات مشجعة وتلفت الاهتمام لكنها لا تزال قاصرة وفي بداياتها. فضيق مساحات الحرية وطغيان التقاليد وتعاقب الأزمات جعل الاهتمام ينصب ويكاد ينحصر في السياسة التي تحتل مساحات كبيرة في الإعلام أكبر من أي مساحة أخرى، لذا فإن معظم ما يمكن إدراجه تحت خانة تحقيقات استقصائية لا يتطرق نهائياً إلى القضايا السياسية الحساسة المرتبطة بالفساد أو بالجريمة المنظمة أو بممارسات عنيفة، يمارسها متنفذون في مجتمعاتنا أو تلك التي تعدّ من موروثات مجتمعاتنا التقليدية.

فالتعاطي مع تلك العناوين فيه مجازفات لا تطال الصحافي وحده بل تطال المؤسسات الصحافية والإعلامية وهو أمر يستبعد أن تقدم عليه وسائل إعلام هي في غالبيتها تعود ملكيتها إما لأنظمة وإما لأحزاب أو لمتمولين غالباً ما لديهم مصالح متداخلة مع الأنظمة.

في دولنا، لا تزال فئات بل مجموعات واسعة مذعورة من الثورة المعلوماتية وتخاف من المفاهيم الجديدة التي أدخلتها وسائل الاتصال إلى الشوارع والأزقة والغرف المغلقة وتدخل معها حياة مغايرة لما أجبرنا على الاعتياد عليه.

هل لنا أن ننسى كيف كشف مدّون أو بلوغر مصري فضيحة تعذيب مساجين في السجون المصرية موثقة بالصور والشهادات عبر الانترنت..! إنها مزاوجة الحداثة المعلوماتية بالاستقصاء. لكن محاولات كسر رقابة الانظمة لكشف انتهاكات ليس وحده المعوق الأساسي. فالرقابة الممارسة على الإعلام ليست رقابة دول وأنظمة فقط، بل هي إلى جانب ذلك رقابة مجتمع والصحافي الذي يطمح إلى تناول موضوع ما عليه أن يتجاوز معوقات عدة قبل أن ينجز مادته.

فالآليات التي يمّر عبرها التحقيق الاستقصائي في مجتمعاتنا تختلف تماماً عن آليات المجتمعات المتمّرسة في العمل الإعلامي. طرح المادة الجادة يقابل بتساؤلات من المؤسسة الإعلامية نفسها بداية والتي قد تعيد النظر فيما إذا كانت الظروف تسمح بمثل هذا الأمر وما إذا كانت قادرة على تجاوز نتائجه. في الدول المتقدمة وتلك التي ما زالت في طور النمو أصبحت تدرك أن التدفق الحرّ للمعلومات هو أمر جوهري للديمقراطية. وهناك 70 دولة تقريباً تشمل دولاً منخفضة الدخل وأخرى متوسطة الدخل قامت خلال العقد الماضي بتمرير تشريع حق المطالبة بالوثائق العمومية وتسلمها.

أما نحن، فمازلنا غارقين في العسل!!!

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com