«نحن منعنا الضربة الوقائية»

TT

كتبت مذكرات ومقالات وتحليلات كثيرة حول دور السوفيات في «هزيمة» وليس في «حرب» 1967. وحمَّل كثيرون جزءاً كبيراً من المسؤولية للروس: هم الذين أقنعوا جمال عبد الناصر بالتريث. هم الذين طالبوه بعدم توجيه الضربة الاولى الى اسرائيل. سفيرهم زار عبد الناصر في ايار عندما تزايدت الحشود المصرية والاسرائيلية، وقال له: تمهَّل، لا تبدأ الحرب.

«أوضح» ما قرأت في هذا الباب (1) للسفير ب. أ اكويف الذي وصف نفسه بأنه آخر شاهدٍ على ما حدث لا يزال على قيد الحياة. يقول انه في 22 أيار 1967 كانت اسرائيل وسورية قد حشدتا جيوشهما على طول الحدود السورية، ونقل جمال عبد الناصر كل قواته العسكرية عبر سيناء الى حدوده مع اسرائيل. في ذلك النهار أرسل عبد الناصر وزير دفاعه شمس بدران الى موسكو: «انني الوحيد بين الأحياء اليوم ممن شاركوا في تلك المباحثات آنذاك. وكان المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي قد كلف رئيس الحكومة اليكسي كوسيغين باستقبال بدران وإجراء المباحثات معه. وشارك في تلك المباحثات أيضاً كل من نائب وزير الخارجية فارس سيميونف ومدير دائرة الشرق الاوسط أ. د. شيبورن وأنا. وعندما طلب بدران باسم الرئيس عبد الناصر أن توافق القيادة السوفياتية على قيام مصر بتوجيه ضربة وقائية ضد اسرائيل، قائلاً إن أخاه حافظ الاسد في وضع صعب، وإذا ما بدأت اسرائيل الحرب فإن سورية ستجد نفسها في حالة حرجة، الامر الذي لن يغفره أحد لعبد الناصر كزعيم للعالم العربي. وقد رد كوسيغين على ذلك بالحرف الواحد: «لا، فإنكم اذا بدأتم الحرب كنتم معتدين، ونحن لا نستطيع ان ندعم العدوان». بعدئذ شرع الطرفان في مناقشة المواقف. وخلال ثلاثة أيام كان بدران يتصل هاتفياً بعبد الناصر كل يوم ثم يعود فيبلغ القيادة السوفياتية إلحاح عبد الناصر بألا تعترض موسكو على الحرب. وفي النهاية جاء بدران يوم 25 أيار الى الاجتماع الاخير وأعلن أن عبد الناصر طلب منه ابلاغ القيادة السوفياتية قوله: «ما دام الاصدقاء السوفيات يعارضون فأنا لن أبدأ الحرب». وسافر بدران عائداً في اليوم نفسه. إلا ان اسرائيل قامت صباح 5 حزيران بضرب المطارات المصرية ودمرت جميع مدرجاتها، فأصبحت مصر محرومة من أي غطاء جوي مما أتاح للطيران الاسرائيلي القضاء على القوات المصرية في سيناء بقصفها على ارتفاع منخفض، لقد عزا الجميع ذلك الى غباء القيادة المصرية ولكن الحقيقة اننا نحن الذين منعنا عبد الناصر من توجيه ضربة وقائية (...) وانني أفكر دائماً بأن عبد الناصر لم يقم يوماً بتوجيه اللوم الى القيادة السوفياتية، لا في خطبه ولا في أحاديثه، كأن يقول مثلاً، لولا نصحكم لما تعرضت مصر لمثل هذه الهزيمة.

(1) الثقافتان، العربية والروسية اليوم، دار المدى.