تفاهم هندي ـ روسي على حل آسيوي لأفغانستان

TT

التهديد الهندي بالقيام بعمليات عسكرية سرية وسريعة على الحدود البرية مع باكستان (البنجاب)، حيث تعتقد بأن ارهابيي مومباي تجندوا فيها، وعلى طول الحدود البحرية من كاراتشي حتى غوادار، دفع باكستان الى شن عملية عسكرية على احد مخيمات «عسكر طيبة» واعتقال «الرأس العسكري» لأحد اجنحة هذه المجموعة اضافة الى سبعة آخرين.

لكن عملية مومباي الضخمة، قد تغير السياسة الهندية الاقليمية، ومن الممكن ان تكسب علاقات الهند بروسيا والصين وايران اهمية استثنائية تنعكس على الاستراتيجية الهندية.

ويبدو ان الهند قررت، انه اذا كانت الحرب في افغانستان السبب الذي منع واشنطن من دعمها علناً، وفضلت دعوتها الى المهادنة مع باكستان لحاجتها اللوجستية للاخيرة، فإنه مع افغانستان ستبدأ السياسة الاقليمية الهندية توجهاً جديداً.

رغم ان زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الى الهند كانت مقررة سابقاً، الا ان توقيتها كان مناسبة مهمة لتطلق الهند تحولها الجديد، ولتعيد تقييم الابعاد الاستراتيجية المميزة للشراكة الهندية ـ الروسية.

يقول لي سياسي هندي، انه اضافة الى الاتفاقيات العسكرية بين الدولتين، بدءاً من موافقة الحكومة الهندية على دراسة المبلغ المضاعف الذي طلبته روسيا (2.2 مليار دولار) ثمناً لحاملة الطائرات الروسية «ادميرال غورشكوف» التي تريد الهند شراءها، ومصادقتها على شراء طائرات هليكوبتر عسكرية من روسيا، واقتراب روسيا من تسليم الهند غواصة نووية، لمح رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنغ الى أن عملية مومباي تهدد المجتمعات المختلطة، وان هناك الكثير مما تستطيع الهند وروسيا القيام به معاً من اجل السلام العالمي.

يقول محدثي السياسي الهندي، ان الهند قدرت كثيراً الدعم والتضامن المطلقين اللذين عبرت عنهما موسكو تجاه الهند بعد عملية مومباي، وان المبادرات الروسية تجاوزت بأميال، كلمات التعاطف التي صدرت عن واشنطن، مع علم الهند ان موسكو لا تعاني من الازمة التي تعاني منها واشنطن التي عليها ان توازن بدقة ما بين نيودلهي واسلام آباد.

كشفت عملية مومباي، عن ان اولويات الهند تختلف عن اولويات الولايات المتحدة في مواجهة الارهاب. كانت الهند تتوقع ان تضغط واشنطن بقوة على اسلام آباد كي تطّهر اجهزتها الامنية من العناصر التي لها ارتباطات مع مجموعات ارهابية، لكن اولويات واشنطن ترتكز على الحرب في افغانستان واستمرار باكستان في التعاون في هذه الحرب، ولا تريد لأي شيء بالتالي، ان يخفف ذلك التعاون خصوصاً لناحية الجهود التي تبذلها القوات الباكستانية على طول الحدود مع افغانستان، لا سيما في منطقة القبائل.

يقول محدثي السياسي الهندي، لقد اكتشفت نيودلهي، ان «الغزل» بينها وبين واشنطن لوضع استراتيجية تعاون مشترك لا يفيدها في حال ارادت ان تضغط على باكستان، وهي اساءت في حساباتها عندما اعتقدت بأن واشنطن ستهتم بتحجيم المشكلة الباكستانية، بينما تنصرف هي الى التركيز على ابراز نفسها كقوة عظمى او قوة توازن في المجتمع الدولي. ويضيف: وهنا تدخل المعادلة الروسية ـ الهندية.

ويلفت الى البيان المشترك الذي صدر إثر انتهاء زيارة الرئيس الروسي الذي عبّر فيه الطرفان عن قلقهما من تدهور الوضع في افغانستان، ودعيا الى «التزام دولي» موحد ومتجانس للتعامل مع الاخطار المنبثقة من تلك البلاد.

وقال البيان: ان الطرفين يرحبان بالمبادرة الروسية لعقد مؤتمر دولي ضمن اطار «منظمة تعاون شنغهاي»، يشمل الدول الاعضاء والمراقبين.

يشرح محدثي ابعاد هذه العبارات: ابرزها ان الهند صارت تدعم علناً مبادرة اقليمية حول افغانستان، وهذا ما لا تريده واشنطن، كما ان الهند قررت عدم انتظار ادارة الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما لوضع استراتيجية جديدة حول افغانستان. هي اعلنت عن استراتيجيتها المستقلة، ثم انها وقفت الى جانب روسيا والصين في الوقت الذي يسوق فيه بعض اصحاب القرار في اميركا فكرة حل اقليمي انما بقيادة اميركية.

ومن بين ما لفت محدثي، اعتراف الهند بـ«منظمة تعاون شنغهاي» كقوة اساسية في أمن جنوب آسيا، وان تكون افغانستان جسراً ما بين جنوب آسيا وآسيا الوسطى.

معنى هذا حسب تفسيره، ان الهند تخلت عن الاستراتيجية الاميركية «آسيا الوسطى الكبرى» التي تهدف الى تذويب دور «منظمة تعاون شنغهاي» في آسيا الوسطى، وتعول في هذا على الهند كقوة توازن ما بين النفوذين الروسي والصيني في المنطقة.

بموقفها هذا، لم تعد الهند تدعم السياسة الاميركية في الابقاء على «منظمة تعاون شنغهاي» خارج افغانستان، مع العلم ان المبادرة الروسية لعقد مؤتمر دولي ضمن اطار هذه المنظمة هي محاولة تحدي الاحتكار الاميركي لإيجاد تسوية لمشكلة افغانستان.

يؤكد لي محدثي، انه من مصلحة الرئيس الافغاني حامد كرزاي ان يتعاون مع هذه المبادرة التي تشترك فيها كل الدول المحيطة بافغانستان، مثل روسيا والصين والهند وايران، وليست معروفة الاسباب او التبريرات التي ستتمسك بها واشنطن واسلام آباد لعدم المشاركة او القبول.

وكان لوحظ، ان واشنطن شجعت المبادرة التركية للتوسط ما بين افغانستان وباكستان، وكان رؤساء الدول الثلاثة اجتمعوا الاسبوع الماضي في انقرة. واهمية المبادرة التركية بنظر واشنطن انها تبقي على روسيا وايران بعيدتين.

كذلك لوحظ من جهة البيان المشترك الروسي ـ الهندي، ان الدولتين لم تأتيا على ذكر اجراء محادثات مع «طالبان». اميركا تريد التحاور مع المعتدلين من «طالبان» لتشكيل حكومة تحالف وطني. يقول محدثي، ان عملية مومباي زادت من موقف الهند الرافض لإعادة الاعتبار لـ«طالبان»، كما ان عملية «طالبان» التي طالت محطة تجمّع للآليات والشاحنات العسكرية تابعة للحلف الاطلسي(قرب بيشاور) زادت من تشدد موقفها، كما زادت من تمسكها بمبادرة روسيا للمؤتمر الدولي، وهي في موقفها هذا ضمت صوتها الى روسيا، التي تطالب بأن تتوقف عمليات الحلف الاطلسي العسكرية في افغانستان التي تُسقط العديد من المدنيين الابرياء، ولأن هذه العمليات تعيق عودة الاستقرار الى افغانستان.

يوم الاثنين صدر تقرير عن «المجلس الدولي للأمن والتطوير» جاء فيه ان «طالبان» يسيطرون على 72 في المائة من الاراضي الافغانية، وحاول السفير البريطاني في كابول نفي الامر، وكذلك حاول بعض النواب الافغان، لكن العارفين يقولون ان افغانستان صارت ساحة اخطر من العراق وان «طالبان» يتحركون علناً في مناطق قريبة جداً من العاصمة، وان حكومة كرزاي لا تتمتع بأي شعبية.

الاميركيون يفكرون باللجوء الى القبائل والسكان المحليين لتوفير الامن، هؤلاء يمكن ان يؤثروا في مناطق مثل خوست، وباكتيا، وباكتيكا على الحدود مع باكستان. انما في مناطق اخرى مثل قندهار وهيلماند فإن «طالبان» مسيطرون، كما ان زراعة المخدرات دفعت باستقلالية القبائل الى التآكل.

وحسب ما قال ولي الله رحماني من مركز الدراسات الاستراتيجية في كابول، فان «طالبان» حتى الآن، ليسوا مستقلين ايديولوجياً ومادياً عن «القاعدة»، ثم ان الملا عمر رفض تسليم اسامة بن لادن عام 2001، ومن المستبعد ان يفعل ذلك الآن.

يقول محدثي السياسي الهندي، ان بلاده تحاول ان تستبق تحويل الاميركيين لافغانستان الى غابة من الاسلحة، اذا ما قرروا تنفيذ الخطة التي اعتمدوها في العراق. وتريد ان تُظهر ان هناك مبادرات سياسية دولية لايجاد تسوية لافغانستان، بدل الاعتماد الكلي على باكستان.

لقد حاولت اميركا، بتوسيع الحلف الاطلسي، تطويق روسيا لا بل فكفكتها. حرب العراق احيت العلاقات الروسية ـ الايرانية، حرب القوقاز التي حاول اشعالها الرئيس الجورجي مايكل شكاشفيلي دفعت بالدول الاوروبية الأعضاء في الحلف الاطلسي الى تجميد فكرة انضمام جورجيا واوكرانيا الى الحلف لأجل غير محدد، واعادت اتصالاتها مع روسيا، واليوم عملية مومباي، وحاجة واشنطن الى باكستان، ستعيد روسيا الى افغانستان ومنطقة جنوب ـ شرق آسيا، بانفتاح هندي.. وانتظار ايراني، إذ أجرى مسؤولون ايرانيون اخيرا محادثات في نيودلهي حول افغانستان.