هل هذا وقت التصريحات «العدوانية»؟!

TT

هنالك حالتان غريبتان تستحقان التأمل، طرَفاهما حركة «حماس» واستهدفتا، وهنا وجه الغرابة، الدولتين اللتين من دون انشغال بالهما بالحركة والعمل الدؤوب على انقاذها من مغامرة الانفصال لكانت حال هذه الحركة عربياً ودولياً أسوأ بكثير مما هي عليه الآن. والدولتان هما مصر والسعودية.

بالنسبة الى مصر تصرفت «حماس» على النحو الذي يحرج الدولة العربية الاكبر مع ملاحظة انه مقابل الإحراج تضررت «حماس» بالقدر نفسه. وهذا الإحراج حدث عندما اكتملت الترتيبات من جانب مصر الشهر الماضي لاستضافة مؤتمر للحوار بين «السلطة الوطنية الفلسطينية» و«حركة حماس» وتم وضع «أجندة» بالموضوعات والأسماء لجلسات المؤتمر، ثم فوجئت السلطات المصرية قبل ساعات من الموعد المحدد لانعقاد المؤتمر باتصال من قيادة «حركة حماس» يفيد بأن الحركة لن تشارك. وبطبيعة الحال فإن الإحراج حدث ولا بد ان اسرائيل ارتاحت لهذا التصرف لأنها ضد أي مسعى يستهدف توحيد الصف الفلسطيني من نوع المسعى المصري، وقبل ذلك المسعى السعودي الذي خسرت القضية الفلسطينية بعدم توظيف «فتح» و«حماس» لنتائجه وللأجواء التي حدثت بين «الأُخوة الأعداء» اي قيادة «فتح» برئاسة محمود عباس وقيادة «حماس» متمثلة في الرجل الاول في «حماس» خالد مشعل ورئيس الحكومة المنفصل عن «السلطة الوطنية» المترئس «حكومة غزة» اسماعيل هنية.

مرة أخرى تتصرف «حماس» وإن كان التصرف هذه المرة جاء من خلال طرف دون مستوى القمة، بما من شأنه إلحاق الضرر بها ومحاولة إحراج المملكة العربية السعودية، حيث ان عضو البرلمان الفلسطيني عن «حركة حماس» عاطف عدوان أدلى بتصريحات متجنية نقلها موقع «حماس» الالكتروني في وقت اكتملت الاستعدادات لبدء موسم الحج وفق توجيهات من الملك عبد الله بن عبد العزيز الى رئيس لجنة الحج المركزية أمير منطقة مكة المكرَّمة خالد الفيصل بن عبد العزيز بأن يكون الموسم ناجحاً بامتياز. وفي التصريحات «العدوانية» ان السلطات السعودية منحت تأشيرات الى آلاف الحجاج المسجلين لدى السلطة الوطنية في الضفة الغربية مستثنية 2200 حاج مسجَّلين في غزة لدى أجهزة «حماس». وهذا التجني دفع بالخارجية السعودية الى التوضيح بأن المملكة «تنظر الى جميع الفلسطينيين بعين المساواة ومنحت الآلاف منهم من جميع الاراضي المحتلة بما فيها قطاع غزة تأشيرات دخول الى المملكة لأداء فريضة الحج سُلِّمت الى السلطة الفلسطينية وأنها زادت الحصة المقررة لهم مراعاة لظروفهم الانسانية، كما ان جميع منافذ المملكة مستعدة لاستقبالهم وتسهيل أدائهم للشعيرة»... وانتهى توضيح الخارجية السعودية الى القول:«إنه أمام ذلك لا تستطيع المملكة إلاَّ أن تستنكر الغرض من هذه التصريحات المغلوطة، إذ أن قلب الحقائق لا يمكن إلاَّ أن يكون لأغراض ليست في مصلحة الشعب الفلسطيني ولا لتسهيل اداء شعائرهم الدينية».

نتساءل هنا: هل هذا وقت التصريحات «العدوانية» (نسبة الى تصريح البرلماني الفلسطيني عاطف عدوان)؟! وهل من الجائز يا اخواننا في «حماس» استعمال ورقة الحج كما لو أن الحجاج الفلسطينيين هم الحطب الذي ترميه «الحركة» على نار الازمة لتزداد اشتعالاً، وهل من المعقول ألاَّ تصحح «حماس» موقفها مع مصر والسعودية ولا تحاول انهاء عزلتها واستفرادها بغزة وذلك بالعودة عن خيار الانفصال الذي أثبتت التطورات عدم جدواه وأنه أضر بـ «حماس» كونه أظهرها انها ورقة في اليد وليست مالكة قرارها وعاملة من اجل القضية الاهم.

ولو ان «حركة حماس» هي حركة علمانية لجاز الافتراض بأنها توظِّف موسم الحج لتحقيق مآرب أو مكاسب، لكنها حركة ذات عقيدة اسلامية، ولذلك فإنه بدل الحجْر على حجاج غزَّاويين يريدون تأدية الفريضة والتذرع بأن السعودية تحابي السلطة الوطنية وتسهِّل أمر الحجاج الآتين من مدن الضفة الغربية ولا تمنح التأشيرات للغزاويين وهي ذرائع أكثر منها حقائق بدليل توضيحات الخارجية السعودية، فإن من واجب «حماس» تحييد الفريضة من نزاعها مع «فتح» ومن افتعال الازمات مع مصر والسعودية بفعل الايحاء أو توزيع الادوار أو للشعور بالذنب من الإحراج الحديث العهد للمسعى المصري والإحراج قبل ذلك للمسعى السعودي من أجل توحيد الصف، ومحاولة تغطية هذا الذنب بأعذار لها صفة التجني وينطبق عليها المثل الشائع مع بعض التعديل وهو: عذر أشد مرارة من الذنب.

والمعذرة لأننا لا نقرن كلامنا بوقائع حول لعبة «فتح» و«حماس» ومحاولة اللاعبين ضرْب بعض الانظمة ببعضها ومطاردة «دولة رام الله» لـ «دولة غزة» التي لا طعم لها ولا ضرورة، أو إنَّ مذاق طعْمها كثير الملوحة وأنَّ ضرَرها يُلغي ضرورتها، كما انها ليست حتى مسلِّية مثل مطاردة «توم» لـ «جيري».. وبالعكس.