لقاء أسطنبول: الدرس الأول

TT

تحت شعار توطيد الأمن والسلم والتعاون، وترسيخ الاستقرار في آسيا الوسطى، عقد في اسطنبول مؤخرا، اللقاء الثلاثي الذي جمع الى جانب الرئيس التركي عبد الله غل، الرئيس الافغاني حميد كرزاي، والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، بمشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان.

الرئيس التركي، الذي تطارده آلام الاذن منذ مدة، وتحول دون تنقلاته الجوية، ورغم تخليه عن برنامج قضاء عطلة الأعياد في مدينة ديار بكر الواقعة في جنوب شرقي تركيا المعروفة بغالبيتها الكردية، وسط اجواء التوتر التي تشهدها البلاد في التعامل مع الملف الكردي، فقد تمسك بعدم التخلف عن قمة اسطنبول هذه أو تعريضها للخطر.

لقاء اسطنبول كان غل هو الذي اقترحه، في اعقاب لقائه بالرئيسين في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في مطلع الخريف المنصرم، طالبا احياء مبادرة العام الماضي، ومحددا مطلع الشهر الحالي موعدا لهذه القمة لتضع اسس تعاون شامل متعدد الوجوه والابعاد.

لمعرفة اهمية اللقاء وموقعه في هذه الظروف الاقليمية الصعبة، يكفي القاء نظرة على ما يحيط بباكستان وافغانستان من مشاكل وملفات سياسية وأمنية عالقة تحتاج الى معالجة سريعة. كما يكفي ان نتطلع من حولنا لنعرف كيف تتعامل الدول الكبرى مع الدولتين، وكيف تنظر اليهما اليوم، وما هو عدد السيناريوهات والمخططات التي تطاردهما من كل صوب.

أنقرة ومن خلال جمع الدولتين امام طاولة الحوارهذه، ارادت توجيه رسالة تعني الهند بالدرجة الأولى. فالأطراف الثلاثة اعلنوا في بيانهم الختامي، رفضهم السماح باستخدام الاراضي الباكستانية من قبل الجماعات الارهابية لتنفيذ هجمات ضد دول الجوار. كابول واسلام اباد تحادثتا امام طاولة الحوار التركية في اكثر من مسألة ثنائية واقليمية مشتركة تعيق مسار علاقاتهما، ويتقدمها مواضيع اللاجئين والجماعات الدينية المتمركزة على الحدود بين البلدين. وانقرة التي نجحت في ابعاد البلدين عن خط المواجهة، يبدو انها نجحت ايضا في اقناع الرئيس الباكستاني بالتعاون الى ابعد الحدود مع الحكومة الهندية وتوزيدها بالكثير من المعلومات، التي تريدها حول الاعتداءات الاخيرة في مومباي والتي تبعد شبح الحرب عن المنطقة. المقصود كان بإيجاز الى جانب تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التركيز على ضرورة اعتماد لغة الحوار في حل المشاكل والاصرار على حماية الدول في حدودها وسيادتها وبنيتها.

تحركات حكومة العدالة والتنمية الاقليمية الأخيرة قد تكون تزعج البعض، وتثير غيرة وحفيظة البعض الآخر، لكنها لن تصل حتما الى مستوى التحالف المذهبي مع اسلام اباد وكابول، وهو ما يعني المساهمة المباشرة في تحقيق حلم من يسعى لزرع بذور التفرقة والشرذمة. فما الذي يعنيه الوجود التركي الاقتصادي الانفتاحي على منطقة الخليج العربي، والوساطة التركية بين واشنطن وطهران، والانتشار التركي «السني» في قلب الجنوب اللبناني «الشيعي» بالمنوال الذي يحيكون عليه؟ لا بل ان الحديث عن ولادة محور تقوده تركيا باسم «السنة» في المنطقة يعترضه جهل أن تركيا دولة علمانية، وأن فكرة المبادرة الثلاثية هذه التي اعلنت العام المنصرم وقعها، ووافق عليها الرئيس التركي الاسبق أحمد نجدت سزر، المعروف بتشدده في مسائل العلمنة والاتاتوركية والانفتاح على الغرب. قمة اسطنبول بادرة بحث عن فرصة افضل، للتنسيق والانفتاح والتقارب الاقليمي، وازالة حالات الاحتقان والتوتر والجمود، وخطوة على طريق نزع فتيل التفجيرات الطائفية والمذهبية والعرقية، وليس محاولة زرعها وريها لتثمر انشقاقات وخلافات وشرذمة نحن في غنى عنها في هذه الأيام.