لملمة الكيان اللبناني

TT

المشوار، كما يبدو، طويلا وطويلا جدا.. ولكن دعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان دول العالم إلى التعامل مع لبنان عبر رئيس الدولة المسؤول عن علاقاتها الخارجية خطوة أولى في مسيرة الألف ميل ـ والأهم من ذلك هي مؤشر أولي على استعداده لخوض معمعة «لملمة» الدولة، دبلوماسيا، وإعادة إحياء موقعها الاقليمي والدولي.

مجرد تخمين. ولكن هذا التخمين يعززه توقيت الرئيس سليمان لدعوته العلنية في أعقاب ما تردد على لسان مقربين منه عن اهتمامه بقيام كتلة نيابية «مستقلة» في البرلمان المرتقب تساعد على فك ارتهان لبنان الخانق بمواقف قوى 8 و14 آذار.

دعوة الرئيس سليمان الموجهة الى الدول «الخارجية» قاطبة، مقرونة بمطالباته المتكررة للعديد من الدول التي زارها تقديم اسلحة متطورة للجيش اللبناني تؤهله لمواجهة مخاطر تفجر حروب ارهابية على أرضه، توحي بأن الرئيس اللبناني حريص أيضاً على «لملمة» الدولة عسكريا وسياسيا، وتؤكد حرصه على اعادة إحياء أحادية مرجعيتها كمؤسسة تمثل كل اللبنانيين، كائنة ما كانت توجهاتهم السياسية.

منذ جلاء «الجامع القسري» لقرار لبنان السياسي والعسكري عن أراضيه، أي القوات السورية، بات واضحا أن لبنان، الوطن والكيان السياسي معاً، فقد بوصلته الموجهة فصار، على الصعيد الدبلوماسي، موطن «الرئيسين»، وعلى الصعيد العسكري، موطن «القائدين ».

إذا كان اللبنانيون يتعايشون اضطرارا مع هذا الواقع تجنبا للأسوأ يبقى «لبنان الجيشين» ـ الرسمي والموازي ـ و«لبنان الرئاستين» ـ الرسمية والحزبوية ـ ظاهرة ناتئة يصعب استمرارها في أي دولة كانت فكيف بالأحرى في لبنان المشرذم أصلا ـ حزبيا ومذهبيا وحتى ولائيا؟

دقة هذا الواقع القابل للتفجر بحكم تبعثره وارتباطاته تجعل إعادة «الذات المهدورة» الى الدولة أبعدَ من مطلب حزبي أو فئوي: أمنية وطنية يتطلع الى تحقيقها اللبنانيون الملدوغون من ألف جحر وجحر ـ داخل حدودهم وخارجها.

أكثر من نصف سنة انقضت على انتخاب ميشال سليمان رئيسا توافقيا لكل اللبنانيين والثنائية العسكرية والدبلوماسية ما زالت تتحكم في القرار اللبناني. وعوض ان يعمل أقطاب الزعامات «الرديفة» للمواقع الرسمية الى تعزيز التوافق الحاصل على المنصب الوحيد الذي يمثل كل اللبنانيين، تصرفت طوال هذه الفترة كمن يخطط الى تكريس الواقع القائم الشاذ، إن لم تكن سعت الى تحويله الى واقع بديل للدولة الواحدة، مستندة في ذلك إلى نجاحها في توظيف الاشهر الستة الاولى من العهد في توثيق ارتباطاتها «المستقلة» عبر الحدود.

كان الرئيس سليمان واضحا في تأكيده، في خطاب القسم في 25 مايو (أيار) الماضي، ان الاستقرار السياسي المنشود للبنان «يفرض علينا تفعيل المؤسسات الدستورية حيث وجب احتضان الافكار السياسية وتبايناتها وصولا الى قواسم مشتركة تؤمن مصلحة الوطن وابنائه»، وفي دعوته الى تحقيق التوازن بين الصلاحيات والمسؤوليات بحيث تتمكن المؤسسات «بما فيها رئاسة الجمهورية من تأدية الدور المنوط بها».

.. ربما كان الحؤول دون تأدية رئاسة الجمهورية لهذا الدور إحدى الخلفيات الضمنية لسعي بعض التيارات والقيادات إلى تأكيد «تباينها» مع الدولة ونأيها عن القواسم المشتركة معها وتنكرها العملي لمسيرة تفعيل المؤسسات الدستورية. ولكن، حتى لو حسمت الدولة أمرها وقررت تفعيل المؤسسات الدستورية، تبقى العقدة الكأداء في وجه لملمة الكيان اللبناني صعوبة تحديد من اين تبدأ هذه المهمة بعد أن ارتبطت عملية لملمة القرار السياسي ارتباطا وثيقا بلملمة القرار العسكري.. والعكس بالعكس. لافت في لبنان ـ المرحلة أن تصبح التبعية للخارج أداة ضغط على الرئاسة اللبنانية ومصدر فخر واعتزاز لبعض اللبنانيين في قدرتهم على تجاوز الدولة كلها في نسج علاقات «خاصة» مع الخارج.

ولافت أكثر أن ترتقي التبعية للخارج عند بعض اللبنانيين الى مستوى العمالة المؤدلجة، شأنها شأن الاحزاب الشيوعية الاوروبية في عهد النظام السوفياتي بروسيا.

ولافت اكثر واكثر ان يمرر مبدأ تحرير الارض اللبنانية المحتلة، واستطرادا كل الاراضي العربية في فلسطين المحتلة، في قناة دولتين شرق اوسطيتين فقط.. ويغمط دور الاخرين فيه.